118

Bahr Mutawassit

البحر المتوسط: مصاير بحر

Nau'ikan

في حوضه عقابا له على كسره إناء بلوريا، كان أدريان يحاول إصلاح حال العبيد، وكان بليني يمتدح حكمتهم؛ لأن رئيسهم سبارتاكوس حظر عليهم لبس الذهب والفضة في محلتهم.

ولم تطفأ فتنة العبيد التي قادها سبارتاكوس إلا بعد عامين. وكان أحسن الأغنياء في حال نفسية من العدمية فيبحثون عن عقائد جديدة ولو جلبت ضرا إلى ثروتهم، وفي الغالب تقع حوادث مماثلة أيام الانقلابات الذهنية، وأحدث الأمثلة ما نراه من وضع بعض الأغنياء الملائم للبلشفية. وهكذا لاحت النصرانية في شفق الآلهة، لا كمفاجأة، بل كإكمال لأمر شعر به منذ زمن طويل وشغل بال الأذكياء كما شغل الأفئدة المملوءة وجدا.

ومن دواعي الحيرة أن النصرانية لم تتخذ وضعا عدائيا ولا ثوريا ضد الدولة، ومع ذلك فقد كان لها أكبر الفوائد من معارضتها الدولة. والواقع أن النصارى لم يضطهدوا على مقياس واسع في القرنين الأولين من الميلاد، وما كان من شهادة بعض الأشخاص وجه الأنظار إليهم. وبينما كانت الدياميس

17

والموت ببراثن الضواري يثيران فضول الشعب وحنانه، كان عدد الكنائس يزيد في ذينك القرنين على مرأى الحكومة والأباطرة فزاد على أربعين في رومة وحدها، وذلك إلى أن الكنيسة وكدت منذ البداءة زعمها في السلطة على وجه لا يخالف الحكومة، ولكن مع محاولة نزع سلطانها من النفوس. وكان الرسل الأولون، وهم من ذوي الجد، يعرفون الاستفادة من الطموح الديني لتأليف جمعية موحدة وتحويل اللحن إلى سنفونية، فصاروا يعملون بما عندهم من مواهب المنظمين وعزم الزعماء الثوريين الحقيقيين، وهم على ما ليس لديهم من نية تنظيم ثورة كان حب السلطان يخامر نفوس الأساقفة الأولين أكثر من مخامرته نفوس كهنة طيبة ودلف.

وبدت النصرانية قوة غضة في عالم تعب وصاحبة مبدأ حديث الصوغ على الأقل إن لم يكن جديدا، مثبتة للناظرين الحائرين كيف يمكن فلسفة قديمة أن تتحول إلى ديانة جديدة، وتحاول أحدث السلطتين، الكنيسة والدولة، أن تحالف أقدمهما، وعلى العكس تتخذ أقدمهما وضعا سلبيا، وذلك لتقرير ما يتخذ من التدابير على الأرجح، وما الذي يمكن أن يخيف الأباطرة؟ نرى أنه كان على الأباطرة أن يرحبوا بذلك الميل فرحين لاستبعاد خشيتهم من حلف دولي، وهو الفزع الذي يجعل كثيرا من رجالنا السياسيين لا إكليروكيين، وهنالك لم يكن غير إمبراطورية واحدة، وهنالك أصبح اتحاد أممها الكثيرة شغل رومة الحقيقي.

ولهذا السبب نظر في البداءة إلى النصارى بأحسن مما نظر إلى اليهود الذين كانوا يعدون أنفسهم شعبا مختارا ذا دين قومي بالغ من الزهو ما يزعم معه أنه وحده هو الدين الصحيح. بيد أن ما كان من قدرة اليهود على ملاءمة غيرهم ومن شكران قيصر وتقاليده ومن حكمة اليهود في عدم إعلان عقيدة الشعب المختار أينما كانوا أمور أدت إلى تسكين الأباطرة. والواقع أن اليهود كانوا ذوي نفوذ غريب، وقد جعل تفرقهم انتشار النصرانية السريع بفعل النصارى الأولين أمرا ممكنا، ودليل ذلك ما ينطوي عليه تصريح عالم الكنيسة ترتوليان من معنى يعد بعد سبعة عشر قرنا جديدا في أيامنا، قال ترتوليان: «لقد انتشرت النصرانية تحت ظل الدين اليهودي.»

وكانت المعاهد الفلسفية، التي تذكر في ذلك العصر بعالم أفلاطون أكثر مما تذكر في الوقت الحاضر، تسهل دخول النصرانية في ذلك العالم الحديث.

ويوجد في برلين نقش خشبي يرجع إلى القرن الرابع فتبصر الرسول فيه جالسا بالقرب من يسوع مشابها لسقراط، وترى بين فسيفساء رافين مسيحا أمرد له ملامح شاب روماني شريف. ولم يجد الأباطرة الأربعة العظام الذين نالوا تربية فلسفية ما يعترضون به على النصرانية من هذه الناحية، وإذا كان مارك أوريل قد بدا عدوا للنصارى فإنه فعل ذلك قطبا سياسيا رومانيا، ومهما يكن من أمر فإن وضعه تجاه النصارى كان وضع متملص تقريبا.

وقد استقر الأساقفة الأولون بكبريات المدن مع الحذر، استقروا بأنطاكية وقرطاجة وكورنث، للاستفادة من النظم التي كانت موجودة. وقد اضطهد النصارى في أفسوس، فكان ما أبدي نحوهم من عداء صادرا عن الصواغ الغضاب كما في الروايات الهزلية، وذلك لما طرأ على بيوع التماثيل والأشعرة من نقص منذ ظهور النصرانية.

Shafi da ba'a sani ba