وتعد كليوباترة أجمل امرأة أنجب بها البحر المتوسط، وهي قد جاءت بعد ازدهار جنسها الأسمى، ولكن قبل انحطاطه، شأن أطيب عنب البحر المتوسط الذي ينضج قبل آخر قطف، ومن اليونان قد ورثت روح الحرية لدى أسبازية، ومن الرومان قد ورثت فن الحكم. أجل، كان الأجمل أن تظهر في عصر النهضة، غير أن من اليمن ألا تكون قد ولدت بعد خمسة عشر قرنا؛ وذلك لأنها كانت تلقى بورجيا، لا قيصر، ولو لم تنل كليوباترة البالغة من العمر خمسا وعشرين سنة غير غرام قيصر الذي كانت سنه تزيد على سنها ثلاثين سنة لكفى هذا في إغنائها الإنسانية بأروع قصصها.
وبعد قيصر لم تحب كليوباترة غير أنطونيوس، وكان العاشقان يلتقيان بسفنهما في الخليج الذي وقعت في جواره المعارك الثلاث التي هي أعظم ما حدث في البحر المتوسط، وإن خليج أنبراسي الذي يعرف اليوم بخليج أرتا هو فرضة بالغة من الطول نحو ثلاثين ميلا مع مدخل لا يزيد على نصف ميل إلا قليلا، وهو لا يقدر بثمن لمن يبحثون عن ملجأ، ولكنه خطر في زمن الحرب لإمكان حصار ما فيه بأسهل مما في الدردنيل، والتقى جيشا أنطونيوس وأكتافيوس (أغسطس القادم) الرومانيان لتعيين مجرى التاريخ هنالك، بالقرب من رأس أكسيوم، وفي وسط الإمبراطورية الرومانية.
وكان جيش أكتافيوس مرابطا في شمال الفرضة حيث يرصد كالكلب الحارس من غير أن يحول عينيه عن المدخل.
وكان جميع أسطول أنطونيوس في الفرضة متصلا بجيشه المنتشر في البر إلى أبعد مدى، وقد حاصرت سفنه المدخل الضيق ولكن مع وضع دفاعي، وكانت مراكب أكتافيوس في الخارج، وعلى مدى البصر، مستعدة للحملة على أسطول أنطونيوس عند ظهوره، ويعمل أنطونيوس برأي كليوباترة التي كانت معه في مركبه، وذلك مع شعوره بأن تقدم أكتافيوس الحذر أكثر ملاءمة لهذا الأخير، فيقرر خوض المعركة في البحر مهملا كتائبه البرية الأحسن استعدادا.
وكان كلا الجيشين متواجها كالنمرين، وكانت كليوباترة مستلقية تحت الخيمة النمراء
4
المنصوبة على مركبها داخل الخليج، وكانت تعبة شاعرة بكارثة قبل وقوعها، ولكن مع عدم قطع الأمل في النصر، لاعبة بحليها، مناكدة وصيفاتها، مدندنة تسكينا لانتظارها الهائل، وكانت تتبين زيادة غضب ضباط أنطونيوس الذين يودون القتال في البر بال 30000 جندي الذين كان يمكن رئيسهم أن يتصرف فيهم.
وكان غير معتمد على سفنه تجاه أسطول أكتافيوس الرائع، وكان بعض القواد قد انحاز إلى جيش أكتافيوس البعيد بضعة كيلومترات فقط، والسهل بلوغه. وكان أنطونيوس يبدو مستخفا بالأنباء السيئة، فلما انضم صديقه إنوبارب إلى العدو اشتاط غيظا ودخل خيمة الملكة لينقل غضبه إليها.
وهنالك، في تلك الخيمة المصنوعة من الحرير، حيث يشم العطر، مثل العاشقان دورا من الغضب والحقد والألم، فقد أخذ أصدقاء أنطونيوس ينفضون من حوله.
وكانت كليوباترة قد قررت إخراج مراكبها الخاصة من الخليج وأن تدع أنطونيوس يخوض غمار المعركة وحده، وذلك تفاديا من مشاطرة مصير أختها والظهور في مركبة نصر الفاتح الروماني بين عواء الرعاع.
Shafi da ba'a sani ba