149

Tekun Madid

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

Editsa

أحمد عبد الله القرشي رسلان

Mai Buga Littafi

الدكتور حسن عباس زكي

Lambar Fassara

١٤١٩ هـ

Inda aka buga

القاهرة

Nau'ikan

Tafsiri
وأكثر ما تجد هذا الوصف في بعض الفقهاء المتجمدين على ظاهر الشريعة، يعتقد ألا علم فوق علمه، ولا فهم فوق فهمه، كيف؟ والله تعالى يقول: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، وقد قال إمام الحرمين: (لإِنْ أُدْخلَ ألْفَ كَافرٍ في الإسْلامِ بِشُبْهَةٍ خَيْرٌ مِنْ إِخراجِ واحدٍ منْه بشُبْهة) .
فالواجب على مَن أراد السلامة أن يُحسن الظن بجميع المسلمين، ويعتقد فيهم أنهم كلهم صالحون، ففي الحديث: «خَصْلَتَان لَيْسَ فوقهما شيء من الخير: حُسْن الظنِّ بالله، وحُسْن الظن بعباد الله، وخصلتان ليس فوقهما شيء من الشرِّ: سُوءُ الظن بِالله، وسوء الظن بعباد الله» . وبالله التوفيق.
ثم وبّخ الحق- تعالى- النصارى على منع الناس من بيت المقدس وإيذاء مَن يصلي فيه، وطرح الأقذار فيه، مع زعمهم أنهم على الحق دون غيرهم، قاله ابن عباس، أو كفار قريش حيث منعوا المسلمين من الصلاة فيه، وصدوا رسول الله عن الوصول إليه، قاله ابن زيد، والتحقيق: أن الحق تعالى وبخ الجميع، فقال:
[سورة البقرة (٢): آية ١١٤]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤)
قلت: مَنْ مبتدأ، وأَظْلَمُ خبر، وأَنْ يُذْكَرَ إما منصوب على إسقاط الخافض وتسلط الفعل عليه، أي:
من أن يذكر، أو بدل اشتمال من مَساجِدَ، أو مجرور بالحرف المحذوف، قاله سيبويه. وخائِفِينَ حال من الواو.
يقول الحق ﷻ: لا أحَد أكثرُ جُرْمًا ولا أعظم ظلمًا مِمَّنْ يمنع مَساجِدَ اللَّهِ من أَنْ يُذْكَرَ اسم الله فيها، جماعة أو فرادى، في صلاة أو غيرها، وَسَعى فِي خَرابِها حيث عطل عمارتها، أُولئِكَ ما كانَ ينبغي لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إلا بخشية وخشوع، فكيف يجترءون على تخريبها؟ أو ما كان الواجب أن يدخلوها إلا خائفين من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلًا عن أن يمنعوهم منها، أو ما كانَ لَهُمْ في علم الله وقضائه أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ، فيكون وعدًا أنجزه الله لهم، وقد فتح الله لهم مكة والشام، فكان لا يدخل بيت الله الحرام كافر إلا خفية، خائفًا من القتل، ولا يدخل نصراني بيت المقدس إلا خائفًا من المسلمين، فنالهم فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وهو قتل الحربي، وضرب الجزية على الذمي، وخزي المشركين قتلهم يوم الفتح، وإذلالهم بدخولها عليهم عنوة، ولمن مات على الكفر فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ.
وهذه الآية- وإن نزلت في الكفار- فهي عامة لكل من يمنع الناس من الذكر في المساجد، كيفما كان قيامًا أو قعودًا، جماعة أو فرادى. والله تعالى أعلم.

1 / 154