وفي نصف ربيع الثاني وصل الخبر بأن النقيب سعيد المجزبي متولي اللحية وكمران ظهر منه ما يقضي بالمخالفة للأوامر، والاستقلال في هذا الوقت الآخر، وصار يكثر عليه الكلام عند الإمام، وأنه يخشى منه إن خلى الانخلاع والانصرام، وأنه ربما قد كاتب إلى جهات جدة ومصر وسواكن وجرت له الأقلام. وكان مع هذا الوهم، وما جرى للإمام من النقل أن المذكور قبض على جماعة كان وصلوا إلى الحديدة وبلادها بحوالة من حسن بن الإمام، وكان المذكور بعد عزله من بلاد الضحي الأيام الأولة قد حول أكثر أثاثه وخزائنه إلى كمران، واستقر فيه هذا الأوان، وما زال يحصنه ويعمره ويقويه ويؤكده، فكان سبب حصول الأوهام مع الإمام، وتصديق ما ينقل إليه من الكلام، مع ظهور الاشتجار بينه وبين المحبشي متولي الضحي، والمراكزة والمناصبة. فكتب في هذا التاريخ إلى ولده الحسن بأنه يقصده ولا يظهر أين يريده حتى يدخل اللحية فيحفظها [43/ب]بجميع من معه، فسار المذكور من أبي عريش يطوي المراحل بتهامة، ولا يدري أحد بمقصده حتى بلغ إلى منتهى مرامه. فلما بلغ المجزبي وهو بكمران هذا الأمر والشأن سقط في يده، وتلاشى أمره. وكان من الاتفاقيات أن حال وصول المذكور بندر اللحية، وجد الغربان التي للمجزبي بساحلها مجموعة لافتقادها ودهنها فقبضها حسن بن الإمام واحترس بها، ولم يكن مع المجزبي ما يقوم مقامها، ولم يشعر المجزبي حال دخول حسن بن الإمام اللحية حتى وصله رسوله بالوصول إلى الحضرة، فتلكأ عند ذلك، وأراد الامتناع هنالك، فقال له العسكر الذين من اليمن: نحن عسكر الإمام، فلم يسع المذكور إلا المبادرة بإرسال الضيافة والمكاتبة في الوصول وبذل الأمان، وأنه من جملة الخدم غير متكبر على الإمام، وأن البلد بلده والبندر بندره، فخرج المذكور ودخل حسن بن الإمام يطوف جزيرة كمران، وقبضها وولاها من يثق به في السكون فيها. ثم استدعى الإمام المجزبي، فوصل إليه إلى محروس ضوران، وحال وصوله أمر باللقيا له بالعسكر والأعلام، وبذل له الإكرام، واستقر بحضرته[43/أ]، وفسح برأي الإمام لمن وصل معه من عسكره، وبقي هو وخاصته من خدمه. وذكر الإمام أن جميع ما في جزيرة كمران من السلاح مع العسكر والمدافع قبضها ولده وسلمها إليه، ولم يحمل إلا ما يخصه من أثاثه، وخرج أولاده إلى بيت الفقيه. وكان المذكور قد طالت مدته في ولاية هذه الجهة من مدة شرف الإسلام الحسن بن الإمام، وفتحه لتلك الجهات تلك الأيام، فاستمر إلى هذا التاريخ، وقد صار المذكور كبيرا في السن واعتذر إلى الإمام، وأنه لم يجر منه مباينة ولا محاربة، وإنما كان يعتذر تلك المدة عن الطلوع لكبر سنه وعجزه، ويحسن الظن في قبول عذره، وتلا عند وصوله قوله تعالى: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}. وكان المذكور في الحقيقة غير آمل للعزل من تلك الجهة، والأمر جرى على مقتضى قوله تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس }، ويحكى أنه كان عنده حساب، يقضي [43/ب] الحساب أنه لا يعزله من ذلك الموضع إلا من كان اسمه اسم الذي ولاه الحسن.
قال الراوي: فكان ذلك من الموجبات للمسارعة بالخروج منه من غير مراجعة.
ومن الأمر الغريب أن جميع السواحل تحولت أمورها، وتغيرت أحوال ولاتها ، وتبدلت أعمالها، هذا المذكور والسيد زيد بن علي بن جحاف الذي كان بالمخا وفرحان والي عدن، والسيد أحمد بن صلاح متولي جازان، ومدينة زبيد عزل واليها عبد الله بن سراج المحبشي، فلله الأمر من قبل ومن بعد.
Shafi 353