وفي آخر نهار السبت سادس وعشرين شهر محرم عند الغروب توفي بدر الدين الأمير محمد بن أحمد بن القاسم بوطنه ومحل ولايته الروضة، قبلي صنعاء، ودفن بها عند جامعها الذي من مآثر والده . وكان علته ورم برأسه وقروح ظهرت بوجهه، وكان ابتداء علته من الطريق حال رجوعه مع المهدي من الجهات الشامية، وكان دخوله صنعاء[202/أ] عقب وصوله تكلفا منه، ثم لما عاد إلى الروضة انقطع مريضا، وأقعد في داره أليما، وانطفئ ملكه، وتحول أمره، بعد أن كان لهجا في الولاية، وطامعا في الزيادة، لما كان معه من البلاد الأولة، لتمكين الرياسة، فغلبت عليه الأقدار ولم يظفر من مقصده إلا بمخالفة إرادته، فإنه كان طالب أحمد بن الحسن أول إمرته وقيامه في ولاية حجة، فوضع له ولاية، واستراح بذلك بعض الاستراحة، وحسب أن ذلك هو البغية المقصودة، والحاجة المطالب فيها المرغوبة، وموانع الأقدار تعمل في عدم الهناء بذلك الذي صار. وأول حاسد له ومعاند أخوه عبد الله بن أحمد بن القاسم الذي من جهة صعدة، فإنه لما عانده أخوه علي بن أحمد وغلبه على أمره واستضعفه ومنعه أيس عن ولاية في الشام، ولم يبق له طوالع الأمل إلا فيما كان قد عرفه من حال قيامه مع صاحب شهارة وصهارته له. وكان صاحب شهارة تلك الأيام قد بعثه في مقادمته رئيسا إلى حورة بحجة، فلما انعكست على قاسم أموره، ولم يتم لها مقصوده، كما سبق ذكره، وصل عبد الله بن أحمد مواجها[202/ب] إلى المهدي بعد فتحه لشهارة كما تقدم إلى ذكره الإشارة. وكان قد نظر إلى حجة، وعرفها هذه المدة، مع تهالكه في الولاية والرياسة، فما زال يعمل الحيلة والتزويف للمهدي في أن يبعثه إلى عمل في حجة، فاتفق من المقدور أن ساعده أحمد بن الحسن المهدي على العزم إلى تلك الجهة، وأنه يمنع صنوه محمد بن أحمد عن إمتداد اليد، لا يكون له منها إلا ما عينه، وقيل: بل محمد بن المتوكل عرف أحمد بن الحسن في أن عبد الله بن أحمد تصلح ولايته لحجة ونظره على بعض منها لكون محمد بن أحمد استأصلها، ولا يدفعه إلا مثل ذلك الرجل كونه أخاه. وقيل: إن المهدي انثنى عن ولايتها لمحمد بن أحمد، وأن هذا صنوه أرسله مناصبا له، ومانعا من تصرفه فيها ، فأول ما جرى من المذكور وقد معه من الظفر والسرور، بالطمع في ولاية ذلك المخلاف المشهور أن قبل صاحب الدفعة لما سار بها إلى جهة محمد بن أحمد، ولم يتبع أمره، وأخذها عليه قبله، واستقر بمبين، واسترسل في الآداب وجرت اليد على الرعية، واليد القوية، فأوجسوا منه خيفة، وقالوا: هذا بلية، لما كانوا آلفين من السادة بني جحاف من البرارة، والمسايرة لهم على الصفة المعقولة، العادة الجارية معهم المقبولة[203/أ]فكان المذكور كذلك في تلك الجهة منهم يقول: إنه متولي، ومنهم من يقول: هو مأمور بأوامر، وأن الولاية باقية لابن جحاف، وهو الثابت، ولكنه زاحمه المذكور في سياسات البلاد والمشكى والآداب، فصارت بلاد حجة متشاجر فيها بين المذكور وبين واليها، وبعض إلى محمد بن أحمد منهارة أعمالها، مختلف أحوالها، متضرر من ذلك أهلها. وأحمد بن الحسن قد كرر الطلب لعبد الله بن أحمد المذكور وصار يواعده ويماطله.
وكان تحويل السنة الشمسية بدخول الشمس أول درجة الحمل في تاسع وعشرين شهر محرم، والمريخ والمشتري في برج الحوت، وزحل في الجوزاء، والزهرة وعطارد في الحمل، وكذا القمر.
وفي هذه الأيام بآخر شهر محرم انتهب في العمشية بعض القافلة الخارجة من صعدة، وتركوا الحديد والجلود، واشتغلوا بالحاصل والنقود، وهاجت تلك القبائل بين صعدة وشهارة من دهمي وسفياني وعصيمي، حتى حصل التخطف في البطنات وأطراف بلاد عذر وحول حصن شهارة، لمن يختلف إليها وفي طرقها من المارة.
Shafi 563