فليعلم كل من بلغته هذه الرسالة، وبرق بصره في هذه المقالة، من أهل العلم والجهل، وسكان الجبل والسهل، إني لا أعذر أحدا من الأنام، من العلماء والعوام ممن صححت لديه إماما، أو صحت عنده باغيا ظلاما، عما لا يشك في وجوبه عليه من كان عاقلا، ولا يمترين في العقاب على تضييعه وإن كان جاهلا، من الراوي ومنازعي الحوض الروي، الذي لا يظمي وراده، والمرعي المرى الذي لا يطوى رواده، من بين يديه تنزيل من حكيم حميد، وسنة رسوله المروية عن كل ضابط من سند الذين أوجب الله إليها الرجوع عند النزاع، وجعله شرطا لإيمان به تنزيلا، فقال:{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} فمن تولى منا عن تحكيم الكتاب والسنة رد إليه، ومن أبى قضائه حل القسر عليه: {قل ياأهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل [194/ب] وما أنزل إليكم من ربكم} وإني داع إلى المحاكمة إلى كتاب الله، مستعين بكم يا جميع خلق الله، منقاد لحكم الله بأضعف الشعر، مضمن في إمضائه على من أريد من البشر ولا يقال: هذه كلمة حق أريد بها باطل، إذ أنا عن المال والقوه بغير الله عاطل، وإني أنشدكم الله الذي خلقكم وسوى، وألهمكم سبل الفجور والتقوى هل أكون باغيا وأنا أدعو إلى تحكيم كتاب الله؟، وهل يحل لكم تردوا الشارد حتى يفيء إلى حكم الله: {وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون } . هذا مضمونها وأكثرها بلفظها، وقال: حررت يوم الإثنين لتسع خلت من شوال سنة ثمان وثمانين وألف ، ثم عقب ذلك بقصيدة مستهلها قوله:
أحمد ربي المهيمن القاهر
ذي النعم الغر والسنا الزاهر
أيها الناس فاسمعوا ثنائي
سماع خاش لربه حاذر
ها قد دعا خمسة وكلهم
قد ادعى أن سهمه العامر
يا أكثرهم جاعل المكوس له
دينا لديه مضيعها خاسر
يمكس في السوق والطريق جمي
ع الناس من مؤمن ومن فاجر
فالجل قدفا عن تقدمه
ويؤا لوفر ذروة الفاطر
وقلدوا الأمر منهم رجلا
من دون رب حاجب باسر
مستأثر مؤثرا لأسرته
كأنما مال ربه هادر
وليس في العلم راسخا قدما
إلا أماني يقرح الخاطر
مقسم للبلاد بين ذوي
قرباه كل بقسمه حاجر
أكثرهم جاهل ولايته
خيانة للإله الحاشر
مع ما فيها من الإزحاف وعدم الفصاحة، وقد جعلها ساكنة القافية، وإلا فكان فيها لحن ظاهر، والإنزحاف في قوله: يا أيها الناس، صوابه: أيها الناس، وقوله: اسمعوا ثنائي ،الثناء إنما هو المدح في اللغة العربية والوصف الحسن، وهو قد جعله للشتم والذم.
Shafi 548