وأرسل بعض القضاة إلى عند قاسم بن المؤيد عسى يحصل الصلح بينهم، ولا شك أن الصلح خير، كما قال الله تعالى: {والصلح خير }، وكما في الحديث الصحيح في حق الحسن بن علي أنه قال صلى الله عليه وسلم: ((إن ولدي هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين دعواهما واحدة ))، فدل هذا الحديث الصحيح المتفق عليه بين الأمة أن ترجيح المصلحة هو الأولى رعاية لسكون الدهما وسكون ما هو[134/أ] الأعظم من مصالح المسلمين وحسما للأهواء.
ومن العجيب الذي قل أن يتفق مثله أن فقيها من بني النزيلي من الشافعية يقال له: محمد بن أحمد صار شهارة عند قاسم ولازمه، وصار عمدة لديه بل وكاتبه، لما يعرف من عادات شهارة وساداتها وفقهائها من التشديد في عقائدهم وكراهة مذاهب من يخالفهم. وهذا الفقيه محمد بن أحمد له معرفة في علم النحو وسائر العربية وكذا في أصول الفقه وفروعه على مذهب الشافعية.
وظهر من كثير عدم الميل إلى أحمدبن الحسن حتى من أهل صنعاء وجميع أهل المغرب عن بكرة أبيهم، غير أنهم بين البين يظهرون أنهم غير مخالفين لأحمد بن الحسن لخوف جانبه أن يقوى، وقلوبهم عنه مايلة والأهوى، ولم يخلص في بيعة الاختيار من الأعيان لأحمد بن الحسن غير اثنين: أحمد بن صالح بن أبي الرجال[134/ب] المرهبي وغير القاضي عبد الواسع العلفي صاحب أحمد بن الحسن، وسائر الناس غير راغبين ولا مختارين، بل مضطرين إليه ومتقين. وقاسم أكثر من بايعه من الخاصة والعامة بالاختيار واليسير منهم بالاضطرار، وأما العامة من الناس والقبائل فالأكثر يقول: لمن استقر أمره وغلبت دولته لا يميلون إلى أحد الرجلين، والله يصلح أحوال المسلمين.
Shafi 462