الجزء الأول
[خطبة الكتاب والكلام على تفسيرها]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وبه أستعين وعليه أتوكل أحمدك اللهم على ما اسبلت من نعمائك التوام الشوامل. وأشكرك على ما أجزلت من آلائك العوام الكوامل. حمدا أستنزل به فيض جودك الهاطل. وشكرا استمطر به غيث كرمك الواصل. وأشهد أن لا اله الله وحدك لا شريك لك ولا مماثل. شهادة تتكفل ببلوغ المرام من دخول دار السلام والسلامة من كل خطب هائل. وأشهد ان محمدا عبدك ورسولك وحبيبك وخليلك اصطفيته من خيرة العرب وأشرف القبائل. وأيدته بالبراهين القطعية وأوضح الدلائل. وجعلته مجمعا للخيرات ومنبعا للفضائل. وزينته باحسن الاخلاق وأكرم الشمائل ومدحته بما منحته فقلت «وانك لعلى خلق عظيم» وأنت أصدق قائل. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الا ماجد الاماثل. كلما ذكرك وذكره ذاكر وغفل عن ذكرك وذكره غافل (وبعد) فان بهجة المحافل. للامام الحافظ أبي زكريا يحيى بن أبي بكر العامري العلامة الفاضل. لما كانت من أحسن الكتب المصنفة والاسفار المؤلفة في الفنون المختلفة من تلخيص المعجزات والسير والشمائل. واشتملت على آيات قرآنية وأحاديث نبوية ومسائل فقهية وآداب شرعية ولغوية واحتاجت لنصب علم على ما فيها من المجاهل. يستدل به الناهل على أعذب المناهل.
استخرت الله تعالى في نصب علم يسهل مجهلها ويحل مشكلها ويفتح مغلقها ويقيد مطلقها ويعزي غالب أحاديثها وأقاويلها الى المخرج والقائل وشحته من شرح مسلم للامام النووى الجليل ومن التوشيح والديباج للسيوطى الحافظ النبيل ومن تفسير الحسين بن مسعود الفراء البغوى معالم التنزيل مستعينا غالبا بالنقل عنه عن ابن اسحاق وغيره ممن هو عنه ناقل وأسأل من لا تبرمه المسائل. ولا يخيب لديه السائل. أن يجعل ذلك
1 / 2
الحمد لله الواحد البر الرحيم* الفاطر الصمد العليم* الذى بعث محمدا ﵌ بالحنيفية السمحة والدين القويم* وبصربه بعد العمى وكشف به الغما وهدا به من الضلالة وآتاه الخلق خالصا من شوائب الآفات وعملا صالحا يجري علىّ بعد الممات وان يبلغنى بمنه ما أنا منه آمل. وان يحشرني ووالدى ومشايخى وسائر المؤمنين في زمرة نبيه محمد خاتم النبيين ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين ما ضحك البرق مبتسما وبكي الودق منسجما وأحيا الحيا موات الارض. فانتعش به كل غصن ذابل.
آمين (شرح بعض ألفاظ الخطبة) قال المؤلف غفر الله زلته وأقال عثرته آمين.
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(الحمد لله) بدأ بهما تأسيا بالقرآن العظيم وعملا بقوله ﷺ كل امر ذى بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع أخرجه الرهاوى في الاربعين من حديث أبى هريرة ولابن ماجه والبيهقي في السنن والرهاوى من حديثه لا يبدأ فيه بالحمد لله زاد الرهاوى والصلاة على فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة ومنه يؤخذ تفسير أجذم الذي في صحيح ابن حبان ومعنى ذى بال أى حال يهتم به وجمع بين الابتدائين عملا بالروايتين واشارة الى عدم تعارضهما اذ الابتداء حقيقى واضافي فبالبسملة حصل الاول وبالحمد لله حصل الثاني وقدم البسملة عملا بالكتاب والاجماع واشتقاق الاسم والحمد ومتعلقاتهما مستوفاة في كتب الفقه فلا نطيل بذكرها (البر) هو العطوف على عباده المحسن الى جميع خلقه بالبر والرزق (الفاطر) هو الخالق المخترع على غير مثال سابق (الصمد) هو السيد الذى انتهى سؤدده أو الدائم الباقى بعد فناء خلقه أو الذي يصمد اليه في النوائب أو الذى لا جوف له أو الذى لا يأكل ولا يشرب أو المقصود أو الذى لا عيب فيه أو المالك أو الحليم أو الملك أو الكامل أو الذى لا شئ فوقه أو الذى لا يوجد أحد بصفته أقوال (محمدا) سمى به لكثرة خصاله المحمودة وسيأتى بسط الكلام عليه حيث ذكره المصنف (بالحنيفية) هي المائلة عن كل دين الى دين الاسلام والحنف لغة الميل وحذف الموصوف وهو الملة (السمحة) أى التى لا حرج فيها ولا ضيق (والدين) أى دين الاسلام (القويم) الذى لا اعوجاج فيه (وبصربه بعد العمى) أى هدى به بعد الضلالة (وكشف) أى أزال به (الغما) بضم المعجمة وتشديد الميم وهو الغم العظيم وأصلها المد لكن يقصر لمجاورة العمى (وآتاه) بمد الهمزة أى أعطاه (الخلق) بضم اللام وسكونها الدين والطبع والسجية وحقيقتها صورة الانسان الباطنة وهى نفسه ومعانيها وأوصافها ولها أوصاف حسنة وسيئة والثواب والعقاب يتعلقان باوصاف الصورة الباطنة أكثر من تعلقهما بالصورة الظاهرة وكان ﷺ من ذلك بالمحل الأعلى كما وصفه جل وعلا «إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» أى دين عظيم بقوله لا دين أحب الى الله تعالى ولا أرضا عنده منه وهو الاسلام وقيل القرآن وقيل آدابه وقيل ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه من نهي الله وقيل لانه امتثل تأديب الله ﷿ بقوله «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ» الآية وفسر عياض الخلق العظيم بالطبع الكريم وقيل ليس له همة الا الله
1 / 3
العظيم والقلب السليم* واختصه بالشفاعة العظمى والمقام المحمود والتبجيل والتكريم* وأرسله الى الكافة وآمن به بعد المخافة وجعله من أوسط العرب وأعز الجراثيم* صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أفضل الصلاة والتسليم (وبعد)
(و) آتاه (القلب) سمى به لكثرة تقلبه أو لانه خالص ما في البدن وخالص كل شئ قلبه أو لانه وضع في الجسد مقلوبا أقوال أصحها الاول فقد أخرج الطبراني من حديث أبى موسي بسند حسن انما سمى القلب من تقلبه (السليم) هو الخالى عن كل وصف ذميم كالشرك والشك والذنوب الباطنه كالكبر والحسد والرياء والعجب (واختصه) أى افرده وميزه (بالشفاعة) هى لغة الرغبة والزيادة وسمى الشفيع شفيعا لزيادته في الرغبة وشفع أوّل كلامه بآخره (العظمى) هى الشفاعة في فصل القضاء واراحة الناس من طول الوقوف وسيأتي انه اختص بشفاعات أخر سوى هذه (والمقام المحمود) هو هذه الشفاعة أيضا قالوا وزائدة أو إعطاؤه لواء الحمد أو اخراجه طائفة من النار أو أن يكون أقرب من جبرائيل وعليها قالوا وللتغاير (وأرسله الى الكافة) قال الجوهرى الكافة جمع من الناس يقال لقيتهم كافة أى جميعهم انتهى وعن سيبويه ان التعريف في كافة لا يجوز بل يستعمل منكرا منصوبا على الحال كقاطبة انتهى والمراد بالكافة الانس والجن وفي الملائكة خلاف مشهور واختار السبكى وغيره انه مرسل اليهم أيضا (وآمن) بالمد (به) الخلق كافة من ان يصيب كافرهم في الدنيا ما أصاب الامم السالفة من الخسف والمسخ عموما وآمن به المؤمنين في الآخرة من النار (وأعز الجراثيم) جمع جرثومة بضم الجيم والمثلثة بينهما واو ساكنة وجرثومة كل شئ أصله وأصله التراب المجتمع في أصل الشجر والذي تسفيه الريح قاله في القاموس (وآله) هم جميع الامة أو بنو هاشم وبنو المطلب أو أهل بيته وذريته أقوال رجح النووي في شرح مسلم الاول قال وهو اختيار الازهري وغيره من المحققين ورجح الاكثرون الثاني وهو الاظهر نعم قدير ادبهم هنا الأوّل لخبر آل محمد كل تقى أخرجه الطبراني في الاوسط من حديث أنس بسند فيه ضعف (وصحبه) اسم جمع لصاحب وهو من لقيه ولو مرة مؤمنا ومات على ذلك كما هو المعروف عند المحدثين واشترط الاصوليون طول مجالسته على طريق التبع له ويروى عن ابن المسيب اشتراط أن يقيم معه سنة وان يغزو معه وهذا شاذ يلزم منه ان لا يعد جرير بن عبد الله وأمثاله من الصحابة (فائدة) جملة طبقاتهم على ما ذكره الحاكم اثنتا عشرة طبقة الاولى من تقدم اسلامه الثانية أصحاب دار الندوة الثالثة مهاجرة الحبشة الرابعة من بايع ليلة العقبة الخامسة أصحاب العقبة الثانية السادسة أوّل المهاجرين الذين لحقوا رسول الله ﷺ قبل أن يدخل المدينة السابعة أهل بدر الثامنة المهاجرة بين بدر والحديبية التاسعة أهل بيعة الرضوان العاشرة المهاجرة بين الحديبية والفتح الحادية عشرة مسلمة الفتح الثانية عشرة الصبيان والاطفال الذين رأوا رسول الله ﷺ ويدخل فيها من ميز ومن لم يميز وجملة من مات النبي ﷺ عنهم مائة ألف وأربعة عشر ألفا كما نقله ابن الصلاح عن أبي زرعة الرازي (وبعد) مبنية على الضم كأصلها كلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب الى آخر وكان صلى الله
1 / 4
[مطلب في الكلام على أما بعد]
فمن أجل ما ينبغي معرفته وتعريفه وصرف العناية اليه وتدوينه وتصنيفه الكلام فى العلوم النبوية والصفات المحمدية لصدورها عن الصدر الذي انبعثت عنه العلوم كلها جملة وتفصيلا فروعا وأصولا فشرف العلم شرف المعلوم منه وقد صنفت العلماء في ذلك كتبا كثيرة ما بين تاريخ وشمائل. وأقوال وأفعال واحكام وغير ذلك ومنهم المقل والمكثر وليس فيهم مقصر كل على مبلغ علمه ومقدار فهمه وفوق كل ذى علم عليم*
[الكلام على المؤلفات في التاريخ النبوى وتقسيم الكتاب الى قسمين]
فمن أجل التواريخ النبوية السيرة الكبرى لمحمد بن اسحق المطلبي مولاهم ثم تهذيبها لعبد الملك بن هشام النحوى.
عليه وسلم وأصحابه يأتون بأصلها وهو اما بعد في خطبهم وقد عقد البخاري بابا في استحبابها وذكر فيه جملة من الاحاديث وأوّل من تكلم بها داود وهو فصل الخطاب الذي أوتيه قاله بعض المفسرين وقال المحققون فصل الخطاب الفصل بين الحق والباطل وقيل أوّل من تكلم بها يعرب بن قحطان وقيل قس بن ساعدة الايادي وقيل يعقوب وفيه حديث ضعيف أخرجه الدارقطني وقيل كعب بن لؤى وقيل سحبان ابن وائل ولذلك يقول
لقد علم الحي اليمانون انني ... إذا قلت أما بعد أنى خطيبها
قال الحافظ ابن حجر تتبع الحافظ عبد القادر الرهاوي طرق الاحاديث التي رفع فيها أما بعد فأخرجه عن اثنين وثلاثين صحابيا انتهى قلت منهم جابر وعمرو بن تغلب وعائشة وأبو حميد الساعدي وزيد بن أرقم وعقبة بن عامر وأبو الدرداء وأبو مسعود وأبو سعيد (ما ينبغي) أي يفرض كفاية (العناية) بكسر العين المهملة وتخفيف النون الاعتناء بالشئ والتعب فيه والتهمم بشأنه (تدوينه) كتبه في الديوان وهو بكسر المهملة وقد يفتح فارسي معرب قال الجوهري أصله دوان فعوض من احدى الواوين ياء وفي سبب تسميته بذلك وجهان أحدهما ان كسرى اطلع يوما على كتاب ديوانه وهم يحسبون مع أنفسهم فقال ديوانه أي مجانين ثم حذفت الهاء لكثرة الاستعمال الثاني ان الديوان بالفارسية اسم للشياطين فسمي الكتاب باسمهم لحذقهم بالامور ووقوفهم على الجلي والخفي منها (تصنيفه) أي جعله أصنافا أي أنواعا (الكلام) بالنصب اسم ان «١» (عن الصدر) بسكون الدال وهو السيد الذي صدر عن رأيه (فشرف العلم) بضم الراء وفتح الفاء والعلم بالرفع فاعل ويجوز بفتح الراء وضم الفاء مصدر والعلم بالجر بالاضافة (ما بين تاريخ) هو ذكر أوقات الحوادث والارخ بالضم والفتح الوقت وكذا الاراخ والاسم الارخة بالضم قاله في القاموس (وشمائل) جمع شمال بكسر المعجمة وتخفيف الميم وهي الخلق (وفوق كل ذي علم عليم) أي أعلم منه حتى ينتهى العلم الى الله ﷿ (محمد بن اسحق) بن يسار (المطلبي مولاهم) أي مولى بني المطلب مدني امام يكني أبا بكر قال الذهبي رأى أنسا وروي عن عطاء والزهري وعنه شعبة والحمادان والسفيانان ويونس بن بكير وأحمد ابن خالد كان صدوقا من بحور العلم وله غرائب في سعة ما روي يستنكر واختلف في الاحتجاج به والاصح ان حديثه حسن بل قد صححه جماعة مات سنة احدى وخمسين ومائة وجده يسار صحابي روي انه أتى رسول الله ﷺ فمسح رأسه ودعا له بالبركة ذكره ابن مندة وأبو نعيم بهذا اللفظ (عبد الملك ابن هشام) بن أيوب قال الشمني أصله من البصرة وتوفي بمصر سنة ثلاث عشرة ومائتين (النحوي)
_________
(١) لعل نسخة الشارح وبعد فإن من أجل.
1 / 5
وأحسن مختصر في ذلك خلاصة السير للمحب الطبري وفي الشمائل كتاب أبي عيسى الترمذي وجامع أبي محمد ابن حبان رحمهما الله تعالى ومما لم ينسج على منواله ولا سمحت القرائح بمثاله كتاب الشفا للقاضى الامام عياض بن موسى اليحصبي رحمه الله تعالى فانه تكلم في ذات النبوة وأحكامها والمجوزات عليها ولها مع ما وشحه به من الشمائل المرضيات والهدى والمعجزات بقوة عبارة وتلويح إشارة على أحسن أسلوب وامنح تقسيم وترتيب فشكر الله سعيه وأعاد عليه نفعه ولما رأيت ما حبى به القوم من محبة سيد البشر وما يرجون من نفعه يوم غد في المحشر وانتهى اليّ قوله ﵌ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ باسكان المهملة (المحب الطبري) هو أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن ابراهيم المكي الحسيني يكني أبا العباس ولد في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة وتوفي في جمادى الآخرة وقيل في رمضان وقيل في ذي القعدة سنة أربع وتسعين وستمائة (وفي الشمائل) أي وأحسن مختصر في الشمائل (كتاب) بالرفع (أبي عيسى) هو محمد بن عيسى بن سورة بفتح المهملة والراء بينهما واو ساكنة السلمى الضرير قيل ولد أكمه أخذ عن البخاري وغيره من المشايخ وشارك البخاري في بعض شيوخه وكان أحد الأئمة المقتدى بهم في علم الحديث (الترمذي) نسبة الى ترمذ بفتح الفوقية وكسر الميم وبكسرهما وبضمهما آخره معجمة وتوفي بها في شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين (ابن حبان) بكسر المهملة وبالموحدة اسمه محمد بن أحمد بن حبان (وممالم ينسج) أي لم يحك والنسج الحياكة وهي بالجيم (منواله) بكسر الميم وسكون النون هو في الاصل عود النساج الذي يلف عليه الثوب واستعير هنا (ولا سمحت) أي جادت (القرائح) جمع قريحة بالقاف والمهملة وهي الذكاء والفطنة قال أهل اللغة وأصلها أوّل ما يستنبط من ماء النهر يقال لفلان قريحة أي استنباط للعلم بجودة الطبع (عياض) بكسر المهملة وتخفيف التحتية آخره معجمة (ابن موسى) بن عياض هو الامام الجليل الحافظ النبيل الجامع لاشتات الفنون ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة ونشأ في طلب العلم والاجتهاد في تحصيله فبهر بجودة ذهنه وذكاء فهمه عارفا بالشروط والاحكام والوثائق ضابطا لكتبه جيد الشعر حسن التأليف لم يوجد بسبتة في عصر من الاعصار من التعاليق مثل ماله وحاز من الرياسة في بلده ومن الرفعة ما لم يصل اليه أحد من أهلها وما زاده ذلك الا تواضعا وخشية لله تعالى قال ابن خلكان وهو امام الحديث في وقته وأعرف الناس بعلومه وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامها توفي في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة ودفن بمراكش (اليحصبي) بالتحتية والمهملتين فالموحدة نسبة الى يحصب بن مالك قبيلة من حمير وصاده مثلثة في الاسم وكذا في النسب قاله في القاموس قال وزعم الجوهري انه في النسب بالفتح فقط (وانتهى الى) أي بالاسناد الصحيح (نعمتان مغبون فيهما الخ) أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة (الصحة والفراغ) للطبراني من حديث ابن عباس الامن والعافية قال العلماء معنى الحديث ان الانسان لا يتفرغ لطاعة
1 / 6
سارعت الى جمع مختصر جامع في هذا المعنى يتلخص الكلام فيه (في ثلاثة أقسام) مبنية على فنون حقها أن يفرد كل واحد منها بالتصنيف على حدته
«القسم الاول» فى تلخيص سيرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مولده الى وفاته وما يتعلق بذلك وفيه ستة أبواب
(الباب الاول) في شرف نسبه ومحتده وفضل بلدي وفاته ومولده وما مهد الله له من الفضائل قبل وجوده وعدد آبائه من لدنه الى آدم ﷺ
(الباب الثاني) في تاريخ مولده الى نبوته وماجرى في تضاعيف ذلك من عيون الحوادث
(الباب الثالث) فيما كان من ذلك من نبوته الى هجرته ﵌
(الباب الرابع) في هجرته وما بعدها الى وفاته ﵌
(الباب الخامس) فى ذكر بنيه وبناته وأزواجه وأعمامه وعماته ومرضعاته واخوته من الرضاعة وأخواته وذكر مواليه وخدامه من الاحرار ومن كان يحرسه ورسله الى الملوك وكتابه وأصحابه العشرة النجباء وأنصاره النقباء وأهل الفتوى في حياته
(الباب السادس) فى ذكر دوابه من الخيل والبغال والحمير ونعمه وغنمه وسلاحه ومساكنه وملبوساته وغير ذلك من أنواع آلاته وخاتمه وعدد سراياه وغزواته ﵌
«القسم الثاني» في أسمائه الكريمة وخلقته الوسيمة وخصائصه ومعجزاته وباهر آياته الله الا اذا كان مكفيا صحيح الجسم آمنا وقد يحصل له خصلة أو خصلتان فقط ثم لا تحصل له الثالثة فمن حصل له الخصال الثلاث وكسل عن طاعة ربه كان مغبونا في بحارة الآخرة أي خاسرا (سارعت) من المفاعلة المختصة بالواحد كبادرت وعاقبت وطارفت ويصح ان تكون المفاعلة في كلامه على بابها ويكون معناه سابقت هجوم ضد الصحة والفراغ من المرض والاشتغال أو سابقت هجوم الاجل (مختصر) هو في الاصطلاح قليل اللفظ كثير المعنى ويرادفه الوجيز (يتلخص) أي يتبين (حدته) بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين أي على انفراده (القسم الاول) (ومحتده) بفتح الميم وسكون المهملة وكسر الفوقية بعدها مهملة وهو الاصل والطبع قاله في القاموس (ونعمه) أي ابله والنعم الابل خاصة فاذا قيل انعام دخل فيها البقر والغنم وقيل بل النعم شامل لها وللبقر والغنم أيضا سميت بذلك لانعام الله ﷿ بها فقوله (وغنمه) على الثاني من باب ذكر الخاص بعد العام على حد فاكهة ونخل ورمان (وخلقته الوسيمة) بالمهملة أي الحسنة والوسامة الحسن والجمال يقال منه وسم بفتح الواو وضم السين وسامة ووساما بفتحهما فهو وسم وجمعه
1 / 7
وفيه أربعة أبواب
(الباب الاول) فى الاسماء وما تضمنت من المناسبات
(الباب الثاني) في صفة خلقه الوسيم وتناسب أعضائه واستواء اجزائه وما جمع الله فيه من صفة الكمالات
(الباب الثالث) في الخصائص وهو نوعان
(الاول) في خصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم دون الانبياء قبله وما اختصت به أمته ببركته
(الثاني) فيما اختص به دون أمته من الواجبات والمباحات والمحرمات
(الباب الرابع) فيما أيده الله به من المعجزات وخرق العادات
«القسم الثالث» في شمائله وفضائله وأقواله وأفعاله في جميع أحواله وفيه ثلاثة أبواب
(الباب الاول) في عادته وسجيته في المباحات والمعتادات الضروريات
(الباب الثاني) في الاخلاق المعنويات التى جمعها حسن الخلق
(الباب الثالث) في شمائله في العبادات المتكررات
وهذا القسم رحمك الله واسطة عقد هذه الاقسام ومحله منها محل اللطائف من الاجسام لما حوى من التنبيه على جمل شرعية وآداب مرعية وسنن مأثورة وهيآت مهجورة لقلة الاستعمال واقتداء الجهال بأهل الاهمال وأذيله بباب جامع في فضل أهل بيت رسول الله ﵌ وصحابته ومن يعظم لا جله وفضل حديثه ومحدثيه واختم جميع ذلك بفضل الصلاة عليه وعلى آله والتسليم ﵌ واسئل الله الكريم الرحمن الرحيم أن يعظم لي في جمعه الفائدة ويعيد على من بركاته أعظم عائدة وأن يجعل إجازتي فيه الرضى والنزول في جوار المصطفى وأولادي ووالدي واخواني وحامتى والمسلمين وجميع الاصحاب انه عظيم الرجاء سميع الدعاء وهو حسبي ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير
وسماء (وسجيته) بفتح المهملة وكسر الجيم وتشديد التحتية أي عادته (مأثورة) بالمثلثة أي منقولة (مهجورة) أي متروكة (ووالدي) بكسر الدال وتشديد التحتية جمع والد (وحامتي) بالمهملة والمد وتشديد الميم وفي بعض النسخ وخاصتى باعجام الخاء واهمال الصاد والحامة الخاصة الذين يختص بهم ويختصون به ويهتم بأمرهم ويحرقه قيل وهو مأخوذ من الماء الحميم وهو الحار
1 / 8
[القسم الاول في تلخيص سيرته]
القسم الاول في تلخيص سيرته وهو محتو على ستة أبواب حسب ما تقدم
[الباب الاول من القسم الاول في مولده وشرف نسبه ومحتده]
الباب الاول- «فى شرف نسبه ومحتده وما مهد الله له من الفضائل قبل وجوده وفضل بلدي وفاته ومولده وعدد آبائه من لدنه الى آدم ﵌»
قال الله تعالى لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ. قريء بضم الفاء وفتحها وكلاهما متضمنان لفضيلة نسبه أما قراءة الضم فقال المفسرون لم تكن في العرب قبيلة الا ولها على رسول الله ﵌ ولادة وقرابة وعليه حمل ابن عباس قوله تعالى إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وعلى قراءة الفتح فهو أبلغ في المدح لان النفيس الخيار الجيد ومثله في الآية الاخرى لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم وقال تعالى كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ وروي عن على بن أبي طالب رضى الله عنه في قوله تعالى مِنْ أَنْفُسِكُمْ قال عنه ﷺ نسبا وحسبا وصهرا ليس في آبائى من لدن آدم سفاح كلها نكاح. قال ابن الكلبي كتبت للنبي ﵌ خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا كانت عليه الجاهلية
[مطلب في الكلام على أنكحة الجاهلية]
(قال المؤلف غفر الله له) وقد كان نكاح الجاهلية على أربعة أنحاء. فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل الى الرجل وليته أو بنته فيصدقها ثم ينكحها. والنكاح الآخر كان الرجل يقول لامرأته اذا طهرت من طمثها أرسلى الى فلان فاستبضعي منه فيعتز لها زوجها فلا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فاذا تبين حملها أصابها زوجها اذا أحب وانما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع. ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون القسم الاول (حسب ما) بفتح المهملة أي على قدره وعدده وقد تسكن سينه أيضا (ليس في آبائي من لدن آدم سفاح كلها نكاح) أخرجه البيهقي في الدلائل من حديث أنس ﵁ (قال ابن الكلبى الخ) حكاه عنه ابن شعبة وابن عساكر (على أربعة أنحاء) بفتح الهمزة وسكون النون وبالمهملة جمع نحو وهو الجهة والمقصد والمراد هنا علي أربعة أقسام (وليته) بفتح الواو وكسر اللام وتشديد التحتية أى قريبته من أخت ونحوها (طهرت) مثلث الهاء والضم أشهر (من طمثها) بفتح المهملة وسكون الميم وبالمثلثة وهو من أسماء الحيض وهي عشرة حيض وطمث وضحك واكبار واعصار وعراك ودراس وفراك بالفاء وطمس ونفاس (فاستبضعى) بالموحدة والمهملة أي اطلبى منه الجماع لاجل الولد وأصله الاصابة في البضع وهو الفرج (الرهط) الجماعة نحو العشرة لا واحد
1 / 9
العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فاذا حملت ووضعت ومرت ليالى بعد أن تضع أرسلت اليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت وهو ابنك يا فلان تسمى من أحبت باسمه فتلحق به ولدها لا يستطيع ان يمتنع منه الرجل. والنكاح الرابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما فمن أرادهن دخل عليهن فاذا حملت احداهن ووضعت حملها جمعوا لها القافة ثم الحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعى به ابنه لا يمتنع الرجل من ذلك.
فلما بعث محمد صلي الله عليه وآله وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله الا نكاح الناس اليوم رويناه في صحيح البخارى ومسلم وسنن أبى داود من رواية عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها موقوفا عليها.
وهذا من أعظم العناية أن أجرى الله ﷾ نكاح آبائه من آدم الى أن أخرجه من بين أبويه على نمط واحد وفق شريعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
له من لفظه (ومرت ليالى) بسكون التحتية (بالذى يرون) بفتح الياء من الرأى وبضمها من الظن (فالتاط به) بهمزة وصل وسكون اللام ثم فوقية ثم ألف ثم مهملة أي التصق به (في صحيح البخارى) هو أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة بن بردزبه بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر المهملة وسكون الزاي وفتح الموحدة على المشهور وبه جزم ابن ماكولا وهو بالفارسية الزارع الجعفي مولاهم أسلم جده المغيرة على يد اليمان الجعفى فنسب اليه نسبة ولاء ويقال انه عمي في صغره وكانت أمه مستجابة الدعوة فدعت الله فاعاد عليه بصره ولد يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة ببخارى ومات ليلة السبت ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين ودفن بخرتنك قرية من عمل بخاري (وسنن أبى داود) هو سليمان بن الاشعث بالمثلثة السجستانى ولد سنة ثلاثين ومائتين ومات بالبصرة يوم الجمعة سادس عشر شوال سنة خمس وسبعين ومائتين (من رواية عروة بن الزبير) بن العوام بن خويلد بن أسد أخي عبد الله لابويه كنيته أبو عبد الله يروي عن أبويه وخالته وعلي وخلائق قال ابن سعد كان فقيها عالما كثير الحديث ثبتا مأمونا كان يصوم الدهر ومات صائما سنة ثلاث وتسعين أو أربع وتسعين قولان (عن عائشة) هى بنت أبى بكر الصديق حبيبة رسول الله ﷺ فقيهة نساء الامة ومناقبها كثيرة عاشت خمسا وستين سنة وتوفيت سنة تسع وخمسين أو ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان وصلى عليها أبو هريرة ودفنت بالبقيع بوصية منها (نمط) بفتح النون والميم وبالمهملة أي نوع والنمط في الاصل نوع من أنواع البسط لا يستعمل في غيره الا مقيدا قاله الجوهري
1 / 10
وعن ابن عباس في قوله وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال من نبي حتى أخرجتك نبيّا.
وروينا في صحيح البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت منه. وروينا في جامع أبى عيسى الترمذى عن واثلة بن الاسقع قال قال رسول الله ﵌ ان الله اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل واصطفى من ولد اسماعيل بني كنانة واصطفى من بنى كنانة قريشا واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم صححه الترمذي.
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنه انه ﷺ قال ان الله ﷿ اختار خلقه فاختار منهم (وعن ابن عباس) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبو العباس ابن عم رسول الله ﷺ أمه لبابة بنت الحرث بن حزن الهلالية فضله وعلمه أشهر من أن يذكر ومناقبه لا تحصى وكان عمره يوم وفاة رسول الله ﷺ ثلاث عشرة سنة أو خمس عشر سنة قولان وتوفي سنة سبع وستين أو ثمان وستين قولان بالطائف وهو ابن احدى وسبعين سنة أو ثمان وسبعين قولان وكف بصره في آخر عمره فقال في ذلك
ان يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي لساني وقلبى منهما نور
قلبى ذكي وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مشهور
(روينا) قال المزي يقال روينا بفتح الراء والواو وبضم الراء وكسر الواو المشددة (عن أبي هريرة) اسمه عبد الرحمن بن صخر على الاصح في اسمه واسم أبيه من نحو ثلاثين قولا قاله النووي وقال غيره بل يزيد وأخرج الحاكم عنه قال كان اسمى عبد الشمس بن صخر فسماني النبى ﷺ عبد الرحمن واختار بعض المتأخرين فيه انه عمير بن عامر واحتج باتفاق أهل النسب على ذلك وبذلك جزم الكلبى ومال اليه الحافظ الدمياطى كان ﵁ حافظا متثبتا صاحب صيام وقيام قال عكرمة كان يسبح في اليوم اثنى عشر ألف تسبيحة ولى امرة المدينة مرات وتوفي سنة سبع وخمسين أو تسع وخمسين قولان (قرنا فقرنا) قال الحسن وغيره القرن عشر سنين وقال قتادة سبعون وقال النخعى أربعون وقال زرارة بن أبي أو في مائة وعشرون وعبد الملك بن عمير مائة وسيأتى المختار فيه على قوله ﷺ خيركم قرنى (واثلة) بمثلثة مكسورة (ابن الاسقع) بسين وعين مهملتين وأصل الاسقع طوير في ريشه خضرة ورأسه أبيض قال في القاموس قال الذهبي كان واثلة من أهل الصفة غزاتبوك ومات سنة ثلاث وثمانين أو خمس وثمانين قولان وهو ابن مائة سنة أو ثمان وتسعين قولان بعد ان كف بصره ببيت المقدس أو بدمشق قولان (صححه الترمذي) وأخرجه أيضا عن واثلة مسلم في صحيحه (وعن ابن عمر) هو عبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن العدوي شهد الاحزاب والحديبية وفيه قال
1 / 11
بنى آدم فاختار منهم العرب ثم اختار منهم قريشا فاختار منهم بنى هاشم ثم اختار بنى هاشم فاختارني منهم فلم أزل خيارا من خيار ألا من أحب العرب فبحبى أحبهم ومن أبغض العرب فببغضى أبغضهم رواه الطبرى.
قال القاضى عياض رحمه الله تعالى وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشئه فمما لا يحتاج الى اقامة دليل ولا بيان مشكل ولا خفي منه فانه نخبة بنى هاشم وأفضل سلالة قريش وصميمها وأشرف العرب وأعزهم نفرا من قبل أبيه وأمه ومن أهل مكة أكرم بلاد الله على الله وعلى عباده. ثم روى بسنده الى ابن عباس ﵄ قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ان الله ﷾ قسم الخلق قسمين فجعلنى من خيرهم قسما فذلك قوله تعالى أَصْحابُ الْيَمِينِ وأَصْحابُ الشِّمالِ فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين ثلاثا فجعلنى في خيرها ثلثا فذلك قوله أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ فانا من السابقين وأنا خير السابقين ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلنى من خيرها قبيلة وذلك قوله تعالى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ الآية فانا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله تعالى ولا فخر وجعل القبائل بيوتا فجعلنى في خيرها بيتا ولا فخر فذلك قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ومعنى قوله- ولا فخر أى لست أقوله مفتخرا متطاولا ولا محتقرا لغيرى إنما هو من باب التحدث بالنعم قال الله تعالى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
النبى ﷺ ان عبد الله رجل صالح وقال جابر ما منا أحد الا ومالت به الدنيا ومال بها الا ابن عمر قال ابن المسيب مات وما أحد أحب إلي ان ألقى الله بمثل عمله منه كانت ولادته قبل المبعث بسنة على ما قيل ومات بمكة سنة أربع وسبعين عن ثمانين أو أربع وثمانين سنة قولان وصلى عليه الحجاج ودفن بالمحصب أو بذي طوي أو بسرف أقوال (رواه) من حديث ابن عمر (الطبري) هو الحافظ محمد بن جرير توفي سنة عشر وثلاثمائة (نخبة) بضم النون وسكون المعجمة ثم موحدة وهي الخيار (سلالة قريش) بضم السين المهملة وهو ما اسئل من الشيء (وصميمها) بالمهملة أي خالصها وصميم كل شيء خالصه (ثم روي) أي عياض (بسنده) مصدر أسند الحديث يسنده اذا نسبه الى غيره (الي ابن عباس) وأخرج الحديث الترمذي في سننه عن العباس أيضا (قسم الخلق قسمين) قيل فيه اشارة الى هابيل وقابيل قال الحافظ وسبب هذا الحديث ان العباس قال يا رسول الله ان قريشا تذاكروا احسابهم فجعلوا مثلك مثل نخله في كبوة من الارض فقال ان الله قسم الخلق الحديث.
1 / 12
وعن عائشة ﵂ قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أتاني جبريل فقال قلبت مشارق الارض ومغاربها فلم أر رجلا أفضل من محمد ولم أربني اب أفضل من بنى هاشم.
وما أحسن قول أبى طالب حيث مدح قريشا وخيرها ثم خير منهم بنى عبد مناف ثم خير منهم بني هاشم ثم خير محمدا على الكل فقال:
وان فخرت يوما فان محمدا ... هو المصطفى من سرها وصميمها
وقال أيضا
فأصبح فينا أحمد في أرومة ... تقصر عنها سورة المتطاول
وقال ابنه طالب بن أبي طالب
فما ان جنينا في قريش عظيمة ... سوى ان حمينا خير من وطيء الثرى
[فصل: وأما ما مهد الله له في قدم نبوته وذكره]
«فصل واما ما مهد الله له في قدم نبوته وذكره»
فروى القاضي عياض ﵀ من ذلك في كتابه الشفا اخبارا كثيرة وكثيرا ما أنقل منه الا ما كان من فن التواريخ فانه لم يأت بشئ منها قال الله تعالى وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ الآية* وفي معناها ما روى عن على بن أبى طالب رضي الله تعالى عنه قال لم يبعث الله نبيا من لدن آدم الا وأخذ عليه العهد في محمد ﵌ لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأخذ العهد بذلك على قومه* ونحوه عن السدي وقتادة* وروي عن قتادة ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال كنت أوّل الانبياء في الخلق وآخرهم في البعث فلذلك ذكر في الآية مقدما على نوح وغيره
(وعن عائشة عنه صلي الله عليه وسلم أتاني جبريل الى آخره) أخرجه الحاكم في الكنى وابن عساكر عنها (وما أحسن قول) بالنصب على التعجب.
(فصل) واما ما مهد الله له (ونحوه عن السدي) بضم السين وتشديد الدال المهملتين منسوب الى سدة باب الجامع والمراد به هاهنا التابعى الكبير اسماعيل بن عبد الرحمن الراوي عن ابن عباس لا الصغير وهو محمد بن مروان الراوى عن هشام بن عروة والاعمش وهو متروك متهم (وقتادة) هو ابن دعامة بكسر الدال وفتحها السدوسى الاعمى الحافظ المفسرمات كهلا سنة سبع عشرة ومائة (وروي عن قتادة الى آخره) أخرجه عنه ابن سعد في الطبقات مرسلا (أول الانبياء) لابن سعد أوّل الناس.
1 / 13
وعن العرباض بن سارية رضى الله عنه قال سمعت رسول الله ﵌. يقول انى عبد الله وخاتم النبيين وان آدم لمنجدل في طينته وانا عدة أبى ابراهيم وبشارة عيسى بن مريم. وكان آدم في الازل يكنى بأبى محمد وأبى البشر* وروي انه تشفع بمحمد ﷺ حين أصاب الخطيئة فتاب الله عليه* وعن البراء قال قلنا يا رسول الله متى وجبت لك النبوة قال وآدم بين الروح والجسد* وروي عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال في كلام بكى به النبي ﵌ بأبي وأمي أنت يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن بعثك آخر الانبياء وذكرك في أولهم فقال وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ الآية بأبي وأمي أنت يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن أهل النار يودون ان يكونوا اطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون يقولون يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا.
(وعن العرباض) بكسر المهملة وسكون الراء بعدها موحدة فألف فمعجمة (ابن سارية) بالمهملة والراء والتحتية وهو السلمي قال الذهبي وابن ماكولا كان من الثمانين ومن أهل الصفة مات سنة خمس وسبعين (لمنجدل) أى ساقط يقال جدله بالجيم أي رماه بالجدالة وهي الارض فانجدل أى سقط (وعدة) بكسر العين وفتح الدال المخففة المهملتين بوزن هبة أي وأنا عدة (أبي ابراهيم) الذى وعده به ربه حين دعاه فقال ربنا (وابعث فيهم رسولا منهم) الآية (وروى انه تشفع بمحمد الى آخره) أخرجه الحاكم وصححه من حديث ابن عباس ولفظه لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب بمحمد الا ما غفرت لى قال يا آدم من أين عرفت محمدا ولم أخلقه قال يا رب انك لما خلقتنى بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا اله الا الله محمد رسول الله فعرفت انك لم تضف الى اسمك الا أحب الخلق اليك فقال الله ﷿ صدقت يا آدم انه لأحب الخلق الي ان سألتنى بحقه فقد غفرت لك ولولاه ما خلقتك وفي هذا الحديث طلب التوسل به ﷺ الى الله ﷿ وان ذلك سيرة السلف الصالح الانبياء والاولياء ولا فرق في ذلك بين ذكر التوسل والاستغاثة والتوجه والتشفع والتضرع به ﷺ وبغيره من الانبياء وكذا الاولياء وفاقا للسبكى وخلافا لابن عبد السلام (فائدة) قال اليافعى في الارشاد روى الشيخ تاج الدين بن عطاء الله عن شيخه ابى العباس المرسى عن شيخه أبي الحسن الشاذلى قدس الله أسرارهم انه قال لاصحابه من كانت له حاجة الى الله تعالى فليتوسل اليه بالامام أبي حامد الغزالي (وعن البراء) بالتخفيف هو ابن عازب الصحابي ابن الصصابى شهد أحدا وهو أوّل مشاهده ومات بعد السبعين أيام مصعب بن الزبير (قال وآدم بين الروح والجسد) أخرج هذا الحديث أيضا ابن سعد وأبو نعيم في الحلية من حديث ميسرة وأخرجه الفخر بن سعد من حديث ابي الجدعاء وأخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس (بأبي أنت وأمي)
1 / 14
وروى الشيخ أبو الحسن الحرانى المغربى في كتابه الذي صنفه في أسماء النبي ﷺ وتفسيرها أنه ﷺ نسب نفسه فقال انا احمد وانا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ثم رفع نسبه الى آدم ثم قال وآدم من تراب والتراب من الزبد والزبد من الموج والموج من الماء والماء من الذرة والدرة من الضبابة والضبابة أنشئت من نور محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فان صح هذا من جهة النقل فهو ﵌ أصل الوجود الانسانى خلقا وتكوينا* وما أحسن قول السيد الحكيم ابى عبد الله الترمذي فيه صلى الله تعالى عليه وسلم
قد ورث المجد بآبائه ... وورّث المجد لابنائه
وقام قطبا لمحيط العلا ... والمجد قد حف بأرجائه
وطهرت اجزاؤه فاغتدى ... يطهر الكل باجزائه
وكان ظلا فمحاه السنا ... ومثبتا فان بافنائه
وكان في غيبة أكوانه ... يقطر ماء المجد من مائه
أي مفدي (الحرانى) بفتح المهملة وتشديد الراء وبالنون نسبة الى حران بلد بالشام (الضبابة) بفتح المعجمة هي السحابة الرقيقة (فان صح هذا من جهة النقل) يؤيد صحته ما أخرجه عبد الرزاق في مسنده بسند مستقيم من حديث جابر قال قلت يا رسول الله اخبرنى باول شئ خلقه الله قبل الاشياء قال يا جابر ان الله خلق قبل الاشياء نور نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث يشاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جنى ولا انسى فلما أراد الله تعالى ان يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء فخلق من الجزء الاول السماوات ومن الثاني الارضين ومن الثالث الجنة والنار ثم قسم الرابع أربعة أجزاء فخلق من الاول نور أبصار المؤمنين ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله تعالى ومن الثالث نور ألسنتهم وهو التوحيد لا اله الا الله محمد رسول الله الحديث وفيه طول ومنه يؤخذ انه ﷺ أصل سائر المكونات (أبي عبد الله الترمذى) هو محمد بن على المؤذن كان اماما حافظا زاهدا صاحب تصانيف مفيدة (قدورث) بكسر الراء مخففا (المجد) أى الكرم (وورث) بفتح الراء مشددا (وقام قطبا) أي فردا في مقامه الذي اقيم فيه وقطب القوم سيدهم ومن يدور أمرهم عليه (حف) بالمهملة أى احدق (بارجائه) أي جوانبه (فمحاه السنا) أى النور (ومثبتا) أي موجودا معنى (فان) أي غير موجود صورة ورفعه على انه خبر مبتدإ محذوف أي وهو فان (بافنائه) بفتح الهمزة جمع فناء بكسر الفاء وبالنون وهو في الاصل جانب الدار مما يلى وجهها واستعير هنا (يقطر ماء المجد من مائه) اشار إلي القطرات التي تقاطرت من نوره ﷺ وخلق منها الانبياء كما ورد في حديث ضعيف أوّل ما خلق الله نوري فغلب عليه الحياء فقطرت منه مائة ألف قطرة وأربعة وعشرون ألف قطرة فخلق الله من كل قطرة نبيا ويؤيد هذا الحديث
1 / 15
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال لما خلق الله آدم أهبطني الله الى الارض في صلبه وجعلنى في صلب نوح في السفينة. وقذف بى في النار في صلب ابراهيم. ثم لم يزل ينقلنى في الاصلاب الكريمة. الى الارحام الطاهرة. حتى اخرجنى الله من بين ابوي لم يلتقيا على سفاح قط والى هذا المعنى اشار عمه العباس رضى الله تعالى عنه. حيث قال يا رسول الله انى احب ان امدحك. قال قل لا يفضض الله فاك فقال:
من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر ... انت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسرا واهله الغرق
وردت نار الخليل مكتتما ... تجول فيها ولست تحترق
تنقل من صالب الى رحم ... اذا مضى عالم بدا طبق
ما أخرجه ابن مردويه من حديث أبي ذر قال قلت يا رسول الله كم الأنبياء قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قلت يا رسول الله كم الرسل منهم قال ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير قلت يا رسول الله من كان أولهم قال آدم ثم قال يا أباذر أربعة سريانيون آدم وشيث ونوح واخنوخ وهو ادريس وهو أوّل من خط بالقلم وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أباذر وأوّل نبي من بني اسرائيل أى من بعد اولاده موسى وآخرهم عيسى وأوّل النبيين آدم وآخرهم نبيك وأخرج هذا الحديث ابن حبان في كتابه الأنواع والتقاسيم وصححه لكن عده ابن الجوزي في الموضوعات واتهم به ابراهيم بن هشام والله أعلم وعن ابن عباس أخرجه عياض في الشفا (على سفاح) بكسر المهملة وتخفيف الفاء آخره مهملة أي زنا* شعر العباس ﵁ (لا يفضض) بالفاء وتكرير المعجمة الاولى مضمومة وهو دعاء بلفظ النهي ومعناه لا يسقط الله اسنانك (فائدة) قال ذلك رسول الله ﷺ للنابغة أيضا فعاش عشرين ومائة سنة فلم تسقط له سن ذكره عياض في الشفا وسيذكره المصنف في المعجزات (من قبلها) قال الشمني أى قبل الدين أو النبوة أو الولادة (مستودع) بفتح الدال (يخصف) باعجام الخاء واهمال الصاد مبنى للمفعول (مضغة) أى قطعة لحم بقدر ما يتضغ في الفم (ولا علق) جمع علقة وهي قطعة من دم غليظ (نطفة) هى في الاصل الماء القليل كالنطفة (تركب السفين) قال الجوهرى السفن جمع سفينة فعيلة بمعنى فاعلة كأنها تسفن الماء أى تقشره بالقاف والمعجمة (نسرا) بفتح النون أحد اصنام قوم نوح قال أهل الاخبار كان لآدم خمس بنين سموا نسرا وودا وسواعا ويغوث ويعوق وكانوا عبادا فماتوا فحزن أهل عصرهم عليهم فصور لهم ابليس أمثالهم من صفر ونحاس ليستأنسوا بهم فجعلوا في مؤخر المجلس فلما هلك أهل ذلك العصر قال اللعين لاولادهم هؤلاء آلهة آبائكم فعبدوهم ثم ان للطوفان دفنها فأخرجها اللعين للعرب كما سيأتي (من صالب) قال الهروى أى من صليب يقال لهم صلب وصليب وصالب ثلاث لغات وقال ابن الاثير الصالب الصلب وهو قليل الاستعمال (عالم) بفتح اللام (بدا طبق) أي عالم قاله الهروى نقلا عن ابن عرفة قال يقال مضى طبق وجاء طبق
1 / 16
حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النطق
وانت لما ولدت أشرقت الأر ... ض وضاءت بنورك الافق
فنحن في ذلك الضياء وفي ال ... نور وسبل الرشاد نخترق
عرجت سبع الطباق منتهيا ... وسرت تحت الجلال تعتبق
صلى عليك الاله دائمة ... مديد خلق وكلما نطقوا
[فصل: فيما ورد من فضل بلدى مولده ووفاته]
(فصل) فيما ورد من فضل بلدي مولده ووفاته* قال المؤلف غفر الله له جمع الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم انواع التفضيل والاعزاز والتبجيل وتخير له في البلد كما هيأله في النسب فجعل مولده ومبعثه بمكة ومهاجره ووفاته بالمدينة* ولا خلاف بين العلماء أنهما افضل البلدان على الاطلاق ثم اختلفوا في ايهما افضل فذهب اهل مكة واهل الكوفة الى تفضيل مكة وهو قول الشافعي وعليه جماعة من المالكية وذهب مالك واكثر المدنيين الى تفضيل المدينة أى مضي عالم وجاء عالم (حتي احتوى بيتك) بالرفع فاعل ومفعوله علياء (المهيمن) أي الشاهد على فضلك (خندف) بكسر المعجمة وسكون النون وكسر المهملة ويجوز فتحها والخندفة مشية كالهرولة وهو لقب ليلى بنت عمران بن الحاف بن قضاعة امرأة الياس بن مضر بن نزار فهي جدة النبي ﷺ لانها أم مدركة (النطق) بضم النون والمهملة قال ابن الاثير جمع نطاق وهي اعراض من حبال بعصها فوق بعض أي نواح وأوساطها منها شبهت بالنطق التي يشد بها أوساط الناس ضربه مثلا له ﷺ في ارتفاعه وتوسطه في عترته وجعله تحتهم بمنزلة أوساط الحبال* وقال الجوهري النطاق شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل الاعلى على الاسفل الى الركبة والاسفل ينجر في الارض وليس لها حجزة ولا شق ولا ساقان والجمع نطق (وضاءت) أصله اضاءت رباعي ثلث لضرورة الشعر وهي في لغة قليلة أيضا (فائدة) في بعض كتب السنن انه لما فرغ من هذه الابيات قال له النبى ﷺ لا فض فوك ولا بر من يجفوك
(فصل) فيما ورد من فضل بلدي مولده ووفاته (الشافعي) هو أبو عبد الله محمد بن ادريس بن العباس ابن عثمان بن شافع بن السائب الشيبة بن عبيد بن عبد بن يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف ولد بغزة قرية من قرى الشام سنة خمسين ومائة فمكث بها سنتين ثم حمل الى مكة المشرفة فنشأ بها وتعلم بها القرآن على سفيان بن عيينة وغيره ثم خرج الى المدينة وقرأ على مالك بن أنس الموطأ وحفظه ثم دخل الى بغداد واقام بها سنتين وصنف بها كتبه القديمة ثم عاد الى مكة وأقام بها سنة سبع وسبعين ثم عاد الى بغداد وأقام بها اشهرا ولم يصنف بهاشيأ ثم خرج الى مصر وصنف بها كتبه الجديدة واقام بها الي ان مات ودفن هنالك وكان موته ليلة الجمعة وقد صلى العشاء الاخيرة آخر ليلة من رجب ودفن يوم الجمعة وقال الربيع انصرفنا من دفن الشافعي فرأينا هلال شعبان وكان ذلك في سنة أربع ومائتين وكان عمره أربعا وخمسين سنة (وذهب مالك) هو ابن أنس صاحب المذهب ولد سنة ثلاث وتسعين أو احدى وتسعين أو أربع وتسعين
1 / 17
وهو قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه ولا خلاف ان موضع قبره افضل البقاع ﷺ لما وردان كلا يدفن في تربته التي خلق منها وهو ﷺ أفضل المخلوقات فتعين أنها افضل البقاع والله اعلم
«فمما ورد في فضل مكة» من الآيات والاحاديث قوله تعالى وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وقال تعالى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكًا وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا وقال تعالي أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ وقال تعالي إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وقال تعالى أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا. والآيات الواردة في هذا المعنى كثيرة غير منحصرة.
[مطلب في الكلام على ما ورد في فضل مكة]
واما الاحاديث فروينا في صحيح البخارى عن ابن عباس رضى الله تعالى منهما قال قال رسول الله ﵌ يوم فتح مكة إن هذا البلد حرمه الله أو سبع وتسعين أقوال وتوفي سنة سبع وتسعين ومائة (ولا خلاف ان موضع قبره أفضل البقاع) الارضية والسمائية بل أفضل من العرش والكرسى كما جزم غير واحد من أصحابنا وغيرهم (لما ورد ان كلا يدفن في تربته الى آخره) اخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الاصول من حديث أبي هريرة قال العلماء وهو أحسن ما يستدل به على تفضيل مدفنه ﷺ على سائر البقاع حتي موضع الكعبة المشرفة والعرش والكرسى كما مر آنفا وعلى فضيلة أبي بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما لانهما خلقا من تلك الطينة وخلق منها عيسى أيضا كما سيأتي انه يدفن ثم (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) يعني الكعبة (مَثابَةً لِلنَّاسِ) أي معاذا وملجأ قاله ابن عباس أو مرجعا لهم يثوبون اليه من كل جانب ويحجونه قاله مجاهد وسعيد بن جبير أو مجتمعا قاله قتادة وعكرمة (وَأَمْنًا) أي يأمنون فيه من اذى المشركين (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) أي أوّل بيت ظهر على الماء عند خلق السماء والارض (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) هي مكة نفسها قاله جماعة أو بكة موضع البيت ومكة اسم البلد كله وقيل بكة موضع البيت والمطاف (مُبارَكًا) منصوب على الحال أى ذا بركة (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) أي لأنه قبلة المؤمنين (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) قرأ ابن عباس بينة لقوله (مَقامُ إِبْراهِيمَ) ولم يذكر سواه والآخرون بالجمع على انه أراد مقام ابراهيم وغيره من الآيات التى ثم فاقتصر عليه لفظا ومنه الحجر الاسود وزمزم والحطيم وغير ذلك (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا) أي لا يباح فيه وذلك بدعاء ابراهيم حيث قال رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَدًا آمِنًا (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) يعني العرب يسبي بعضهم بعضا وأهل مكة آمنون (الَّذِي حَرَّمَها) أي جعلها حرما آمنا لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلا خلاها (يُجْبى إِلَيْهِ) أي يجلب ويجتمع (فروينا في صحيح البخاري عن ابن عباس) أخرجه عنه مسلم وأبو داود أيضا (ان هذا البلد حرمه الله) زادوا في رواية يوم خلق السموات والارض ففيه ان تحريمها من أوّل الزمان كما عليه الاكثرون وأجابوا عن قوله ان ابراهيم حرم مكة وهو في صحيح مسلم من حديث جابر بأن تحريمها كان خفيا فأظهره ابراهيم وأشاعه لا انه ابتدأه وقيل بل ابتدأه
1 / 18
لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقطته الا من عرّفها وفي رواية أخرى ولا يختلى خلاها قال العباس ﵁ يا رسول الله الا الاذخر فانه لقينهم ولبيوتهم قال الا الأذخر
وروينا في جامع الترمذي عن عبد الله بن عدى بن الحمراء ﵁ انه سمع رسول الله ﷺ وهو على راحلته بالحزورة بمكة يقول لمكة والله انك لخير أرض الله وأحب أخذا بظاهر هذا الحديث ونحوه من الاحاديث وأجابوا عن الاول بأن معناه ان الله كتب في اللوح المحفوظ أو في غيره يوم خلق السموات والارض ان ابراهيم سيحرم مكة بأمر الله تعالى وفيه تحريم القتال بمكة وان بغى أهلها على أهل العدل وبه قال بعض الفقهاء بل يضيق عليهم حتى يرجعوا الى الطاعة لكن نص الشافعى على جواز قتالهم لان قتال البغاة من حقوق الله تعالى التى لا يجوز اضاعتها فحفظها في الحرم أولى من اضاعتها وهذا هو الصواب واختار في سير الواقدي في الحديث ان معناه تحريم نصب القتال عليهم وقتالهم بما يعم كالمنجنيق وغيره اذا أمكن اصلاح الحال بدون ذلك بخلاف ما اذا تحصن الكفار في بلد آخر فانه يجوز قتالهم على كل حال بكل شيء ووقع في شرح التلخيص للقفال المروزي انه لا يجوز القتال بمكة حتى لو تحصن فيها جماعة من الكفار لم يجز لنا قتالهم قال النووي وهذا غلط ظاهر (لا يعضد) أي لا يقطع بالمعضد وهو آلة كالفأس (شوكه) قال النووي فيه دليل على تحريم قطع الشوك المؤذي وهذا الذى اختاره المتولي وقال جمهور أصحابنا لا يحرم لانه مؤذ فأشبه الفواسق الخمس ويخصون الحديث بالقياس قال والصحيح ما اختاره المتولي (ولا ينفر صيده) أي لا يزعج فالاتلاف أولى (لقطته) بفتح القاف على اللغة المشهورة ويجوز اسكانها وهو اسم للملقوط (ولا يختلي) أي لا يؤخذ ولا يقطع (خلاها) بفتح المعجمة مقصور هو الرطب من الكلأ (الا الاذخر) بالنصب ويجوز رفعه على البدل وهو بكسر الهمزة وسكون الذال وكسر الخاء المعجمتين نبت طيب الرائحة (لقينهم) بفتح القاف وسكون التحتية بعدها نون هو الحداد والصائغ أى يحتاج اليه القين في وقود النار (ولبيوتهم) أي يحتاجون اليه في سقوفها ويجعل فوق الخشب وبينه وفي رواية في الصحيح فانه لبيوتنا ولقبورنا أي يسدون به خلال اللبنات في القبور (فقال الا الاذخر) هذا محمول على انه أوحى اليه في الحال باستثناء الاذخر وتخصيصه من العموم أو أوحى اليه قبل ذلك ان طلب أحد الاستثناء بشيء فاستثنه أو انه اجتهد في الجميع قاله النووي (وروينا في جامع الترمذي) وسنن النسائى والدار قطنى بسند قال البكري على شرط الشيخين (عن عبد الله بن عدي) هو قرشي زهري من أنفسهم وقيل بل ثقفى حليف لقريش يكنى أبا عمرو وقيل أبا عمر له صحبة ورواية بعد في أهل الحجاز وكان ينزل فيما بين قديد وعسفان وذكره الطبري فيمن روي عن رسول الله ﷺ من بني زهرة وهو مبني على انه من أنفسهم وذكر غيره ان شريقا والد الاخنس بن شريق اشترى عبدا فأعتقه وأنكحه بنته فولدت له عبد الله وعمرا ابني عدي بن الحمراء أو لهم عبد الله بن عدي آخر يروي عنه عبد الله بن الخيار (ابن الحمراء) بالمهملة والراء والمد (بالحزورة) بفتح المهملة والزاي والواو المشددة والراء كذا يقوله المحدثون وسكون الزاي وتخفيف الواو بوزن قسورة كذا ضبطه ابن السراج بالوجهين فزعم الدارقطني ان الاول تصحيف معترض ومحلها
1 / 19
أرض الله الى ولولا اني أخرجت منك ما خرجت صححه الترمذي.
وعن أبي شريح العدوى انه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث الى مكة أذن لى أيها الامير أحدثك حديثا قام به رسول الله ﷺ الغد من يوم الفتح فسمعته اذناى ووعاه قلبى وأبصرته عيناي حين تكلم به انه حمد الله واثنى عليه ثم قال ان مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرء يؤمن بالله واليوم الآخر ان يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فان أحد ترخص لقتال رسول الله ﷺ فقولوا له ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وانما اذن لى ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس وليبلغ الشاهد الغائب.
وفي مسند أبى داود الطيالسى من رواية عبد الله بن الزبير ورفعه ان الصلاة في المسجد بأسفل مكة عند منارة المسجد الذي على جياد وكان عندها سوق الخياطين وما في الطبراني انها شرقى مكة تصحيف (وعن أبي شريح) أخرجه عنه مالك والشيخان والترمذي والنسائى وهو باعجام الشين واهمال الحاء مصغر (العدوي) قال النووي ويقال له الكعبي والخزاعى واسمه خويلد بن عمرو أو عمرو بن خويلد أو عبد الرحمن أو هانئ بن عمرو أقوال أسلم قبل فتح مكة وتوفي بالمدينة سنة ثمان وستين (لعمرو بن سعيد) ابن الاسد بن العاص الاموي يكني أبا أمية قال في التوشيح ليس صحابيا ولا من التابعين باحسان قال الذهبي خرج على عبد الملك ثم خدعه وأمنه فقتله صبرا سنة سبعين (وهو يبعث البعوث) أى يرسل الجيوش (الى مكة) لقتال عبد الله بن الزبير لامتناعه عن متابعة يزيد بن معاوية واعتصامه بالحرم وكان عمرو والى يزيد على المدينة (أحدثك) مجزوم بالجزاء (الغد) بالنصب (فسمعته أذناى ووعاه قلبي وأبصرته عيناي) قال ذلك مبالغة في تحقيق حفظه اياه وتيقنه زمانه ومكانه ولفظه (حرمها الله ولم يحرمها الناس) أى ان تحريمها كان يوحى من الله تعالى لا انها اصطلح الناس على تحريمها (يسفك بها دما) بكسر الفاء على المشهور وحكى ضمها أى يسل (وانما أذن لي ساعة من نهار) كانت تلك الساعة من طلوع الفجر الى العصر وفيه حجة لمن يقول ان مكة فتحت عنوة وهو مذهب أبي حنيفة والاكثرين وقال الشافعي وجماعة فتحت صلحا وتأولوا الحديث على ان القتال كان جائزا له ﷺ في مكة ولو احتاج اليه لفعله ولكن لم يحتج اليه (وليبلغ الشاهد الغائب) فيه وجوب نقل العلم وإشاعة الدين والسنن والاحكام وتتمة الحديث فقيل لابي شريح ما قال لك عمرو قال أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح ان الحرم لا يعيذ عاصيا أى لا يعصمه ولا فارا بخربة بفتح المعجمة وسكون الراء على المشهور ويقال بضم المعجمة قالوا وأصلها سرقة الابل ثم أطلقت على كل جناية وفي صحيح البخاري انها البلية وقال الخليل انها الفساد في الدين (أبي داود) اسمه سليمان بن داود بن الجارود توفي سنة أربع وعشرين ومائتين (الطيالسى) بفتح المهملة والتحتية المخففة وكسر اللام (من رواية عبد الله بن الزبير) أخرجه عنه أيضا أحمد وابن حبان وأخرجه أحمد وابن ماجه من حديث
1 / 20
الحرام تفضل على الصلاة في غيره بمائة الف صلاة وقد حسب ذلك فبلغت صلاة واحدة فى المسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة ولا تسقط هذه التضاعيف شيأ من الفوائت كما يتخيله كثير من الجهال نبه عليه الامام النووى ﵀ قال بعض المفسرين في قوله تعالى فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا أى من النار وقيل من الطلب وكان في الجاهلية من أحدث حدثا ولجأ اليه امن ويمشى القاتل على قاتله فيه من غير خفاره والسباع تطلب الصيد فاذا دخل الحرم كفت عنه وهذا كقوله تعالى وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وذلك بدعاء ابراهيم ﵊ حيث قال رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا* ولها في القرآن ثمانية اسماء مكة وبكة وأم القرى والقرية والبلد والبلد الامين والبلدة ومعاد ومن أسمائها في غير القرآن الرأس والقادسية والمسجد الحرام جابر وأخرجه البيهقي من حديث ابن عمر وأخرجه الطبرانى من حديث أبى الدرداء وأخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث أنس ورفعه أى الى النبى ﷺ (عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة) أى باعتبار السنة عددية وهي ثلاثمائة وستون يوما أما باعتبارها هلالية وهي ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما فبلغ عمره ستا وخمسين سنة وستة أشهر وقد يزيد يوما فيبلغ صلاة اليوم والليله عمر مائتين واثنين وثمانين سنة وستة أشهر فيبلغ صلاة ثلاثة أيام ولياليهن عمر سبعة وأربعين وثمانمائة سنة وستة أشهر وذلك من جملة المنافع المذكورة في قوله تعالى لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وعن بعضهم ان صلاة واحدة جماعة بالمسجد الحرام تفضل ثواب ما صلى ببلده فرادى عمر نوح بنحو الضعف قال فان انضم الى ذلك أنواع اخر من الكمالات عجز الحساب عن حصر ثوابه (ولا تسقط هذه التضاعيف شيئا من الفوائت) أى لانه محض تضعيف وهو محض فضل فلا يسقط به التكليف (ويمشي القاتل على قاتله) أي مستحق قتله (خفارة) مثلث الخاء المعجمة وبالفاء والراء أى خفير وهو الصاحب (مكة) قال تعالى وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ سميت بذلك لانها تمك أعناق الفراعنة والجبابرة فلم يقصدها جبار بسوء الا هلك أو لانها تمك الذنوب أي تنقصها أو تفنيها (وبكة) قال الله تعالى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ سميت بذلك لان الناس يتباكون بتشديد الكاف فيها أي يزدحمون وقيل ان هذا اسم لما بين جبليها وقيل للمطاف فقط (وأم القرى) سميت بذلك لانها أصل الارض اذ هي أوّل ما خلق منها وأم كل شيء أصله قال الله تعالى وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى (والقرية) قال الله تعالى الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ سميت قرية لاجتماع الناس بها والقرى لغة الضم والجمع ومنه المقراة للحوض (والبلد) قال تعالى لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (والبلد الامين) قال تعالى وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (والبلدة) قال الله تعالى إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ (ومعاد) قال الله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قال بعض المفسرين يعني مكة (الرأس) سميت بذلك لفضيلتها (والقادسية) بالقاف والدال والسين المهملتين وتشديد التحتية واشتقاقها من القدس وهو الطهارة
1 / 21