185

(168)(إذ ليس في العالم شيء يصدر إلا وربنا له مقدر) اعلم أن الله تبارك وتعالى قد وقت الآجال وحدد الأعمار فلا يموت أحد قبل انقضاء عمره، وقبل استيفاء أجله قال تعالى: { لكل أجل كتاب } الرعد : 38 وقال تعالى: { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } النحل : 61 سواء كان هذا الميت ميتا حتف أنفه أو مقتولا، وذهبت المعتزلة إلى أن المقتول ميت في غير أجله وقبل انقضاء عمره وأنه لو لم يقتل لعاش إلى الوقت الذي حدد له، وهو مذهب فاسد بينا بطلانه في غير هذا الكتاب.

وكذلك قدر الله الأرزاق فمن قدر له رزق فلا يموت قبل استيفاء رزقه الذي قدر له كان ذلك الرزق (حلالا) وهو ما لم يرد في تناوله عقاب، (أو حراما) وهو ما ورد في تناوله عقاب، (أو شبهة) وهو ما تجاذبه أصلان أصل يقتضي تحليله وأصل يقتضي تحريمه ولم يترجح واحد منهما على الآخر، والله تعالى قدر جميع ذلك فهو تعالى مؤجل للآجال ورازق العباد بأي جهة كان رزقهم إذ ليس يوجد شيء من المخلوقات أو فيها إلا وربنا تعالى هو المقدر لذلك؛ هذا مذهبنا ومذهب الأشعرية، وذهبت المعتزلة إلى أن الله تعالى لا يرزق الحرام لأن رزق الحرام قبيح ومنعوا اطلاق اسم الرزق على الحرام.

قلنا: إن قبح ذلك متوقف على نهي الشارع عنه والرب تعالى غير محكوم عليه بشيء؛ بل هو الحاكم في الأشياء وهو الفعال لما يريد والأشياء جميعها ملك له لا معارض له في شيء منها والمتصرف في ملكه أو في شيء منه لا يكون فاعلا لقبيح والله تعالى أعلم.

Shafi 218