ومن قال بذهاب بعض القرآن دخل عليه بقوله الفساد في أمره ودينه حتى لا تقوم له حجة، ولا تثبت له بينة، وكذلك أنه لو قال له قائل: أنت أيها المناظر تزعم أن القرآن قد ذهب منه بعضه لا بل تقول ذهب أكثره ولست تعلم أن القرآن ناسخ ومنسوخ، وأمر ونهي وخبر، وهذه الفرائض اللاتي في هذه البقية التي بزعمك بقيت في أيدي الناس فهي منسوخة كلها، وليست بمثبتة للحكم والمثبتة للحكم، فهي ما قد نسخها ما قد ضل وذهب بقطعه وأفسد ما في يده من قوله أن القرآن قد ذهب بعضه واضطره إلى ما يبطل ما في القرآن من هذه الأحكام والمعرفة عند جميع أهل الإسلام، أو يرجع إلى الحق ويقول في القرآن بالصدق، فيقرأ به هو بعينه لم يذهب منه شيء وأنه محفوظ ممنوع من كل غي، وإنما ألزمناه ذلك لأنه يزعم أن بعض القرآن قد ذهب، ومن قال بذلك لم يدرا هذه الفرائض التي في الكتاب الذي في أيدي المسلمين منسوخة أم ناسخة؛ فإن لم يعلم ذلك علما يقينا لم يجب عليه الإقرار بما لا يوقنه فضلا عن العمل به ،بل لو كابره مكابر مخالف وقال له عندي ما [17ب] ذهب من القرآن وأنا أقيم عليه وأقيمه، وهو ناسخ لما في هذه البقية، فأنا لا أقيم هذه الأحكام اللاتي قد نسخت وأقيم الأحكام اللاتي نسخها "وأعبد الله "(1) بالفرائض التي ذهبت من هذا القرآن الناسخة لهذه الباقية في أيدي الناس، وأنا بذلك عالم لأنه عندي وفي يدي، ثم ذكر وادعى أن الفرض في الصيام هو صيام رجب، وأن صوم رمضان منسوخ كما نسخ غيره من الصلاة إلى بيت المقدس وغير ذلك من الأحكام، وقال أنا أصلي الصلاة في غير أوقاتها اللاتي سميت في هذه البقية؛ لأن هذه اللاتي معك منسوخة نسختها الأحكام اللاتي ضلت وذهبت، وقال إنه لا يجلد الزاني ولكن تقطع يده ولا يقطع السارق ولكن يجلد مائة جلدة وادعى أن هذا الحكم مثبت في ما ذهب من القرآن وأنه قد فهم ذلك منه وعلمه، وقال أن حكم السارق والزاني في هذه البقية اللاتي تزعم أنها بقيت في أيدي الناس منسوخ نسخه ما جهل من القرآن وذهب، فأنا أعمل بالناسخ وأترك المنسوخ، وكذلك تعارضه في كل فرائض القرآن، فإذا عارضه معارض بهذا القول لم يكن له أن يدفعه بها صغرت ولا كبرت؛ لأنه قد أجابه وأجمع معه على أن القرآن قد ذهب بعضه بل عامته في زعمه، ولو كان القرآن كذلك لكان الناس كلهم قادرين على ادعا ما أحبوا أن يدعو من ذلك ولبطلت فرائض الله وحدوده، ولم يقم لله حد على عباده؛ لأن ما قال من ذلك لو كان لدرأ الحد لقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((ادرؤوا الحدود بالشبهات))(1) وهذا القول الفاسد، المحال الكاذب، المضل الضال؛ فلو أجاب إليه المسلمون قائله أو جاز أن يقول به الموقنون لوجب عليهم وعلى إمامهم أن يأتوا بناسخه ومنسوخه وجميع ما ذهب منه، وإلا فلم يجب لهم على كل ذي حد يد؛ لأن كل ذي حد وجب عليه في شيء أحدثه يزعم ويدعي أن حكم الله بالأدب في ذلك منسوخ ويقول: أنه لا يحد بهذا الحد في هذا الجرم وأن حده غير هذا الحد الذي في هذه البقية بزعم من يزعم أن القرآن ناقص، ويقول هلموا ما ذهب منه فاتلوه فإن لم تجدوا فيه ما ينسخ هذا فحدوني وإن وجدتم فيه ما أدعي فخلوني فتعالى الله عما يقول فيه المبطلون علوا كبيرا، والحمد لله رب العالمين كثيرا، الحافظ لكتابه المانع من كل خطأ وزلل، أو ذهاب أو نقصان؛ وكيف يذهب من القرآن قليل أو كثير وهو حجج الواحد اللطيف الخبير، وفيه فرائضه على الخلق سبحانه، فقد حفظ ومنع؛ فتأويل من قال بنقصان الفرقان، أما تسمع الواحد الرحمن [ ] {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ}(1) فأخبر أن القرآن عنده محفوظ له جل جلاله ما يقول {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}(2) ويقول سبحانه [ ] {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(3) .
Shafi 75