قلنا: إن يوسف عليه السلام بمراحل عن الركون إلى الظلمة وأخذ الولاية منهم، وهو رسول الله تعالى ونبيه، ولكن إنما أراد من الملك بقوله ما حكى الله تعالى عنه: {اجعلني على خزائن الأرض} يعني: خلي بيني وبينها لأضعها في مواضعها وأحفظ منها ما يحتاج إليه في وقت الحاجة؛ وذلك بعد تفسيره عليه السلام لرؤيا الملك أنهم يقحطون سبع سنين وتفسيره للرؤيا، والرؤيا فهي أحد أقسام الوحي، وأقوال الرسل أيضا في الدين بوحي أيضا، وذلك أنه لما عرف عليه السلام أن الملك لو لم يشعره بذلك لاشتد غضبه ولقاتله إذا تصرف فيها من دون أن يخبره بذلك، ويدل على هذا آخر الآية حيث قال عليه السلام ما حكى الله تعالى عنه: {إني حفيظ عليم} يعني: حفيظ لها عن التبذير بها في غير ما يرضي الله تعالى، عليم بمصارفها من الله تعالى ما أحفظ منها لوقت حاجة الناس إليه، عليم بمصارف ما أخرجت منها بالوحي، وكيف يعمل برأي الملك في كل ما فعل فيها وهو رسول يوحى إليه -عليه السلام؛ فهذه تخلية كما ترى واستكفاء لشر الملك لا، لا يمنعه من فعل القرب وليتم له عليه السلام ما أراد الله تعالى منه، ومثل هذا جائز للصالحين مع غلبة الظلمة استكفاء لشرهم فيستأذنوا استئذان استشارة ورأي ليندفع شرهم لا لعقد ولاية منهم فذلك حرام، فيستأذنوا على هذه الكيفية لا غير إذا خاف الإنسان تعرضهم على فعلها ويقيمها باجتهاده، وإنما يجوز ذلك إذا لم يتهم بموالاتهم لأن ذلك مأخوذ مما حكى الله تعالى في كتابنا عن يوسف عليه السلام ويوسف عليه السلام رسول لا يتهم، فأما إذا اتهم الإنسان لم يكن على حد ما حكى الله تعالى عن رسوله يوسف عليه السلام لأجل التهمة، فلا يجوز له ذلك لكن إذ اتهمه الأكثر لقوله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا ينبغي لمؤمن أن يقف مواقف التهم))(1) وحيث لا يقتدى به أنهم على حق؛ لأن صاحب يوسف عليه السلام الملك ليس على حق لأجل كفره، وقد روي أن صاحبيوسف عليه السلام أسلم في آخر المدة وكان من تحت يد يوسف عليه السلام وكان إسلامه قبل قدوم يعقوب عليه السلام إلى مصر.
وأما المتلبسون بالدين والإسلام من أهل الكبائر من ولاة الظلمة فقد توهم العالم إذا واصلهم في حال ولم يعرف عذره المسوغ أنهم على حق فيتأكد سلطات ظلمهم؛ فإذا كان تحصيل -أي ذلك- وعلم به أو غلب بظنه قبل ذلك لم يجز استئذانهم في فعل قربة ولو بطلت أبدا لقوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}(2) ولقوله تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}(3) ولقوله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر [58أ] يوادون من حاد الله ورسوله....إلى آخر الآية}(4).
Shafi 286