204

Badr Munir

البدر المنير في معرفة الله العلي الكبير

Nau'ikan

Fikihu Shia

قلت: ويدل على مثل ما في هذا الحديث آيات كثيرة منها قوله تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون}(1) فإن معناها يؤتون ما آتوا مع الإيمان من الأعمال الصالحات {وقلوبهم وجلة} فيها الوجل وهو الخوف أن الله تعالى لا يقبلها لشائبة من هذه الشوائب، فيتكلمون بالتوبة كما قال تعالى في الصالحين العاملين: {والمستغفرين بالأسحار}(2) وقد نهى تعالى عن الاستكبار والإصغاء في المجالس إلى بعض دون بعض بقوله تعالى مقررا ما حكاه من قول لقمان عليه السلام لابنه: {ولا تصعر خدك للناس}(3) ونهى تعالى عن الكبر والفخر بقوله تعالى: {ولا تمشي في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا}(4) ونهى تعالى عن الحسد في الفضل بالمال والعلم والأعمال، وأباح أن يطلب العبد الفقير عن ذلك من الله تعالى مثل ذلك وفوقه مما يليق به بقوله تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض واسألوا الله من فضله}(5) وأخبر تعالى أنه لا يقبل من العمل إلا ما خلص وزكى فقال تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}(6) فإن معناه يصعد إليه تعالى، فيثبت تعالى حكمه من الثواب لعامله، والكلم الطيب: التكلم بالتوحيد لله والتنزيه، واعتقاد العدل في أفعاله تعالى عن اعتقاد مشفوعا بأعمال الجوارح الخالصة لوجه الله تعالى، السليمة مما يحبطها من الكبائر والإرادة بها غير وجه الله من أن يقصد بها الله وللثناء المخلوقين، أو لأعراض الدنيا، أو رفعة الصيت في الناس والذكر الحسن فيهم، وأن يشهدوا له بسببها بالمنزلة العليا ويقدمه أهل الشرف والصلحاء، ويرفعوا مجلسه ورتبته، ويبسطوا جاهه فيهم وفي غيرهم لأجلها، أو ليشهدوا له بالزيادة على أهل منصبه وقبيلته بسببها، ومن ذلك أن يترك المكلف ما فرض الله تعالى عليه، أو يفعل ما حرمه الله عليه خوفا من السب ودخول الشبهة عليه بسبب ذلك في قلوب الفقهاء، وفي ذلك يقول الله تعالى مادحا من لم ينال بهذا: {يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}(1) وحكى سبحانه تغير القلوب من العباد عند القيام بالمصالح الدينية في آيات كثيرة منها قوله تعالى: {قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا....الآية}(2) معناه: إنا كنا نرجو فيك لحكمك ورجاحة عقلك ما يدعوك إلى أنك تساعدنا ولا تدعونا إلى ما نكره من عبادة إله واحد، بل تدخل معنا فيما نرجوك له، وتكون فينا رئيسا مسموعا في فك العظائم، والآن بسبب اعتراضك واعتزال آلهتنا صرت فينا مهانا منقوصا، وقالوا لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم مثل ذلك، وقالوا للنبي رسول الله شعيب عليه السلام ما حكى الله تعالى عنه بقوله تعالى: {قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد....الآية}(3) وقالوا له أيضا بسبب دعائهم إلى الله تعالى: {إنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجماناك وما أنت علينا بعزيز}(1) وقالوا لرسول الله [54أ] محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما حكى الله تعالى عنهم بقوله تعالى: {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب * أجعل الآلهة إله واحدا إن هذا لشيء عجاب * وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد * ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق * أءنزل عليه الذكر من بيننا}(2) وقال تعالى: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا* ولولا أن ثبتنا لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا * إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا}(3) وحين لم يعطيهم أملهم ويساعد في هوائهم أو بعضه وأيسوا منه صلى الله عليه وآله وسلم احتالوا في قتله أو إخراجه من بينهم وبغضوه، وازدادت عداوتهم له، واجتمعوا له في دار الندوة ليبطشوا به خفاء ولا يتعين قاتله، فأمر الله تعالى جبريل يخبره ويخرجه ويجعل موضعه في مفرشه أمير المؤمنين علي عليهما السلام فاديا له بنفسه؛ فيا لها من كرامة لعلي -عليه السلام، فأخرجه جبريل [عليه السلام] من بينهم وهم لا يشعرون وفقدوا فإذا علي بين ثيابه فظنوه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يفتحوا عنه إلى الفجر فإذا هو علي عليه السلام فأنزل الله فيهم وفي رسوله -عليه السلام: {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا}(1) وقال تعالى فيهم: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}(2) وقال تعالى مخبرا أن القيام بالخيرات منزعا للخلاف ودخول الشبهات في قلوب غير المعصومين: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}(3) إلى غير ذلك.

ومن ذلك قوله تعالى حاكيا: {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}(4) ومثل ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أرضى الناس بسخط الله عاد حامده منهم ذاما))(5).

Shafi 267