فقالت بديعة: أرجوك أن تسمحي لي بالجري على الخطة التي أريدها؛ لأن موضة لبس الحلي للفتيات العزب موضة قبيحة لا أحبها، وعلى كل حال لا أريد أن أكون سيدة الموضة ولا عبدتها.
وبعد جدال طويل أقنعت بديعة والدتها بأن لا جمال بغير البساطة الطبيعية.
ولبست بديعة ثوبا من الكتان الأبيض بسيط الخياطة والتخريج، ووضعت في شعرها الأسود الجميل زهرة من الورد الأبيض، فظهرت صنعة يد الله العظيمة في وجهها وعينيها وثغرها ونحرها وقامتها ويديها.
ولا غرو إذا كانت بساطة الملابس تزيد الجمال وضوحا؛ لأن الألماسة الثمينة يركبها الصائغ دائما فوق ذهب بسيط الصنع فيظهر جمالها جيدا، وأجمل ما يكون القمر متى ظهر في سماء بسيطة ولم يكن محاطا بالغيوم الكثيرة ...
ولم تكمل وضع ملابسها حتى دخلت والدتها، وهي تقول: إن صديقتي مشتاقة جدا إلى مشاهدتك، وستحبينها وتحبك لأنها من أجمل وأذكى سيدات بيروت.
ولما سمعت بديعة اسم «بيروت» خفق قلبها، فكانت تمشي متثاقلة بقدم مضطربة ولم تعرف لذلك سببا.
الفصل الثاني والأربعون
اللقاء العجيب
ولكنها لم تلبث أن عرفت السبب؛ لأنها أول ما وضعت قدما في باب القاعة أرجعتها وهي مضطربة لا تدري أفي يقظة هي أم في منام. وكانت عيون الضيوف متجهة نحو الباب بشوق لمرأى بديعة؛ لأنهم كانوا سمعوا عنها شيئا كثيرا ولد فيهم شوقا عظيما إلى مشاهدتها، ولما وضعت قدمها في باب القاعة كما ذكر أسرعت السيدة مريم نحو الباب وهي تصرخ بصوت عال: بديعة بديعة! أهذه أنت؟!
وكان زوجها قد تبعها للباب أيضا، أما ولدهما فقد كان ضعيفا للغاية، وإذ أتته تلك الضربة القلبية عجز عن الوقوف، ولما رأى ذلك الوجه وسمع والدته تنادي بذلك الاسم، انطرح على المقعد لا يقدر على الجلوس، وكأنه لم يقدر على مشاهدة ذلك المشهد أيضا فغطى وجهه بيديه.
Shafi da ba'a sani ba