الابن ينشا على ما كان والده
إن الأصول عليها ينبت الشجر
وقد كنت أشك في صدق هذا البيت أحيانا كثيرة؛ لما أراه مناقضة الولد لوالديه بأخلاقه، فما هو رأيك أنت؟
قالت بديعة: أنا أعتقد بأن للدم أكبر تأثير يظهر في أخلاق وصحة وطباع الولد، ولهذا فقد حكم الأطباء والحكماء بأنه يجب على الإنسان أن ينظر إلى نقاوة دم العائلة قبل الزواج؛ لأن آثار هذا الدم تظهر في الولد. فتأثير الدم أكيد، ولكن التربية إما تزيله وإما تزيده. مثلا لو كان رجلا سكيرا وولد ولدا، فإن حب المسكر يولد معه، ولكن إذا سعد بمن يربيه تربية قويمة ويهذبه تهذيبا حقيقيا من صغره؛ فإنه يزيل بعنايته هذا الميل إلى السكر إذ يبغضه به ويبرهن له عن أضراره، فيتلاشى هذا الميل مع الأيام إلى أن يزول. وبالعكس، فإنه ينمو به كلما أنماه إذا لم يحسن تهذيبه وتربيته، أو إذا ترك لنفسه، فإنه يرث أخلاق والده، ويمثل هذا بصدق قول القائل: «إن الأصول عليها ينبت الشجر.» لأن تأثير الدم ينمو فيه ولا ينقص.
وقد يحدث مع كل إنسان تقريبا أن يأخذ بذرة من ثمرة جيدة ويغرسها، ولما تنبت وتأخذ في النمو يتركها ولا يعود يكترث بها فتأتي بغير الثمر الذي يكون ينتظره، ليس لأنها غير جيدة الأصل، بل لأن جودة أصلها وحدها لا تكفي إذا لم يحول البستاني إليها عنايته والتفاته، وهذا القول يناقض ذاك المعنى: أن للدم تأثيرا، ولكن التربية إما تلطفه وإما تمحوه كما قلت.
فازداد إعجاب الوالدة بابنتها، وقالت وهي ترغب الاستزادة من هذا الحديث الذي طالما تاقت نفسها إليه. ومن يا ترى كان بستاني بذرتي الجيدة حتى مطابقة لأصلها، بل زادت عليه جودة؟
فابتسمت بديعة وأجابت: إن بستاني المفضل علي هو أمريكا.
أمريكا! قالت الوالدة بدهشة: إنني لم أحلم بهذا من قبل لأنني أسمع دائما بأن أمريكا بلاد متى دخلتها المرأة السورية تترك وراءها حشمتها وآدابها وكل فضيلة نسائية، كأن لا حاجة لها إليها في تلك الأقطار الشاسعة. ومتى رجعت إلى وطنها ثانية تصير تجدها عوائد قديمة خلقة، فلا تعود تفتكر بها.
قالت بديعة: إنني لا ألومك يا أماه على ظنك هذا بأمريكا؛ لأنك تبنين قولك على جهة واحدة، وأما أنا فأقدر أن أبين لك حالة أمريكا مع النساء السوريات بكلمات قليلة وهي: أن المرأة القابلة للتهذيب تزيدها أمريكا تهذيبا وعقلا وفضلا، أما المرأة الغير أديبة أو الجاهلة فأمريكا تزيدها قلة أدب وجهلا.
فالتفتت إليها والدتها وابتسمت، وقبل أن تتكلم سبقتها بديعة وقالت: إنني أعرف ما يخامر ضميرك يا أمي، ولكن ليس هذا ادعاء، بل افتخارا؛ لأني قد عرفت بأنه من واجبات المرأة أن تكون أديبة وفاضلة، وكنت أسعى جهدي لأصبر كذلك فلا أكون إلا عارفة معنى الواجب ومستعدة للقيام به، وليس هذا من الادعاء بشيء.
Shafi da ba'a sani ba