تأود تحت الحلى في الحلل الخضر
فهل يليق بشاعر بعد ذلك أن يقنع بما يمده به خاطره من المعاني القديمة والخواطر العهيدة؟ هذا - والله - ضعف وانحطاط.
فلا تكثروا ذكر الزمان الذي مضى
فذلك عصر قد تقضى وذا عصر
وما أشبه حالنا مع من تقدمنا من الشعراء، إلا بشاعر عاشق، رأى في النوم طيف حبيبه فأصبح وقد ملأ الدنيا غزلا ونسيبا، فلما أتيح له أن يراه رأي العين أفحم، وكذلك رأى أسلافنا ظواهر الطبيعة، فقالوا وأبدعوا، ووقفنا نحن على حقيقة الكون وأسرار الوجود، ولكن لم نشعر كأن لم نشعر.
وقد وجدت مكان القول ذا سعة
فإن وجدت لسانا قائلا فقل
إلا أنه إذا كانت تلك الظواهر الطبيعية هي الينبوع الأول الذي تتفجر منه الخيالات الشعرية والمعاني الأدبية؛ فإن الشاعرية تزداد بالنظر فيما ترك الشعراء والكتاب من بديع الشعر، وطريف النثر، فإن فيما ترك أولئك الكرام الكاتبون لجنات وأنهارا وشموسا وأقمارا، توحي إلى المرء من ساحر الخيال، وفاتن القول، ما تعجز عن مثله الأنهار الجارية، والرياض الحالية والسماء الصافية، وإذا عرفنا حاجتنا إلى النظر فيما ترك الشعراء والكتاب فلا بد أن نعرف أيضا أن ذلك لا يختص بأمة دون أمة أو إقليم دون إقليم.
وأن الذي يريد أن يتكمل في الشعر والأدب فلا بد أن ينظر فيما ترك الأدباء في مشارق الأرض ومغاربها، من الآثار الأدبية والطرائق العلمية؛ إذ كما لا يمكن للرجل الواحد أن يخترع علما ثم يكون أول الناس وآخرهم فيه؛ فكذلك لا يمكن لأمة واحدة أن تقوم بحاجة البشر في فن من الفنون - ولا سيما في الآداب التي هي خلاصة الأفكار ونتيجة الخواطر.
لذلك رأى رجال الجامعة المصرية - وهم من نعرف في بعد النظر وأصالة الرأي - أن تدرس آداب اللغة الإنجليزية والفرنسوية، بجانب آداب اللغة العربية، فكان ذلك فضلا إلى فضل، وأدبا إلى أدب. وإذا لاحظنا أن أدباء الإنجليز من أحرص الناس على العلم والأدب وأعلمهم بلغات الأمم وآدابهم، وأشدهم عناية بتقييد الأوابد، وضم الشوارد، وأكثرهم ضربا في الأرض، وسيرا في الأقطار، وأكثرهم تعرفا لأحوال الناس على اختلاف طبقاتهم وتباين أشكالهم، إذا لاحظنا كل ذلك؛ عرفنا أن آداب اللغة الإنجليزية إنما هي خلاصة آداب الأمم؛ إذ كانت نتيجة التجارب العديدة، والمشاهدات المختلفة، في أكثر بقاع الأرض، وأغلب أنحاء المعمورة.
Shafi da ba'a sani ba