الطَّاهِرُ أَنْ يَبُولَ، فَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ بَالَ، جَازَ لَهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقْتَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ، وَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ هَذَا فَقَالَ: " لَا يَفْعَلُهُ إلَّا فَقِيهٌ ".
وَلَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ، ثُمَّ وُجِدَ الْمَاءُ، نَزَعَ خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ عَلَى التَّيَمُّمِ، إذْ رُؤْيَةُ الْمَاءِ لَا تُعْقَلُ حَدَثًا، لِأَنَّهُ امْتَنَعَ ظُهُورُ حُكْمِهِ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْمَاءِ، فَعِنْدَ وُجُودِهِ ظَهَرَ حُكْمُهُ فِي الْقَدَمَيْنِ، فَلَوْ جَوَّزْنَا الْمَسْحَ لَجَعَلْنَا الْخُفَّ رَافِعًا لِلْحَدَثِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
وَلَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةِ نَبِيذِ التَّمْرِ ثُمَّ أَحْدَثَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً مُطْلَقًا تَوَضَّأَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ طَهُورٌ مُطْلَقٌ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَإِنْ وَجَدَ مَاءً مُطْلَقًا، نَزَعَ خُفَّيْهِ، وَتَوَضَّأَ، وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَتَيَمَّمَ، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ.
وَلَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، وَلَمْ يَتَيَمَّمْ، حَتَّى أَحْدَثَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَيَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ، وَيُصَلِّي لِأَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ، إنْ كَانَ طَهُورًا فَالتَّيَمُّمُ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ الطَّهُورُ هُوَ التُّرَابُ، فَالْقَدَمُ لَا حَظَّ لَهَا مِنْ التَّيَمُّمِ.
وَلَوْ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى جَبَائِرِ قَدَمَيْهِ، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ، أَوْ كَانَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ صَحِيحَةً، فَغَسَلَهَا، وَمَسَحَ عَلَى جَبَائِرِ الْأُخْرَى، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَرَأَ الْجُرْحُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا، فَحَصَلَ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، كَمَا لَوْ أَدْخَلَهُمَا مَغْسُولَتَيْنِ حَقِيقَةً فِي الْخُفِّ وَإِنْ كَانَ بَرَأَ الْجُرْحُ، نَزَعَ خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ، فَظَهَرَ أَنَّ اللُّبْسَ حَصَلَ لَا عَلَى طَهَارَةٍ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ فِي الزِّيَادَاتِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ خَفِيفًا، فَإِنْ كَانَ غَلِيظًا، وَهُوَ الْجَنَابَةُ، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْمَسْحُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ يَأْمُرُنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَيَالِيَهَا، لَا عَنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ»،، وَلِأَنَّ الْجَوَازَ فِي الْحَدَثِ الْخَفِيفِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ، لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ، وَيَغْلِبُ وُجُودُهُ فَيَلْحَقُهُ الْحَرَجُ، وَالْمَشَقَّةُ فِي نَزْعِ الْخُفِّ، وَالْجَنَابَةُ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهَا، فَلَا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ فِي النَّزْعِ.
الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَمْسُوحِ، فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ خُفًّا يَسْتُرُ الْكَعْبَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَمَا يَسْتُرُ الْكَعْبَيْنِ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُفِّ، وَكَذَا مَا يَسْتُرُ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْجِلْدِ مِمَّا سِوَى الْخُفِّ، كَالْمُكَعَّبِ الْكَبِيرِ، وَالْمِيثَمِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخُفِّ.
[الْمَسْح عَلَى الْجَوْرَب]
مَطْلَبُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوَارِبِ
وَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، فَإِنْ كَانَا مُجَلَّدَيْنِ، أَوْ مُنَعَّلَيْنِ، يُجْزِيهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ، وَلَا مُنَعَّلَيْنِ، فَإِنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ يَشِفَّانِ الْمَاءَ، لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَا ثَخِينَيْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ قَالَ لِعُوَّادِهِ: " فَعَلْتُ مَا كُنْت أَمْنَعُ النَّاسَ عَنْهُ " فَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى رُجُوعِهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوَارِبِ، وَإِنْ كَانَتْ مُنَعَّلَةً، إلَّا إذَا كَانَتْ مُجَلَّدَةً إلَى الْكَعْبَيْنِ، احْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ «النَّبِيَّ ﷺ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ»؛ وَلِأَنَّ الْجَوَازَ فِي الْخُفِّ لِدَفْعِ الْحَرَجِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِالنَّزْعِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْجَوْرَبِ، بِخِلَافِ اللِّفَافَةِ، وَالْمُكَعَّبِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي نَزْعِهِمَا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَبَتَ نَصًّا، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، فَكُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ فِي إدْمَانِ الْمَشْيِ عَلَيْهِ، وَإِمْكَانِ قَطْعِ السَّفَرِ بِهِ، يَلْحَقُ بِهِ، وَمَا لَا، فَلَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ غَيْرَ الْمُجَلَّدِ، وَالْمُنَعَّلِ، مِنْ الْجَوَارِبِ لَا يُشَارِكُ الْخُفَّ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ، عَلَى أَنَّ شَرْعَ الْمَسْحِ إنْ ثَبَتَ لِلتَّرْفِيهِ، لَكِنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّرْفِيهِ، فِيمَا يَغْلِبُ لُبْسُهُ، وَلُبْسُ الْجَوَارِبِ مِمَّا لَا يَغْلِبُ، فَلَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى التَّرْفِيهِ، فَبَقِيَ أَصْلُ الْوَاجِبِ بِالْكِتَابِ، وَهُوَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ.
(وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا كَانَا مُجَلَّدَيْنِ، أَوْ مُنَعَّلَيْنِ، وَبِهِ نَقُولُ: وَلَا عُمُومَ لَهُ، لِأَنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الرَّقِيقَ مِنْ الْجَوَارِبِ؟ وَأَمَّا الْخُفُّ الْمُتَّخَذُ مِنْ اللَّبَدِ، فَلَمْ يَذْكُرُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ،، وَقِيلَ: " إنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا "، وَقِيلَ: " إنْ كَانَ يُطِيقُ السَّفَرَ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا " وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ.
(وَأَمَّا) الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ مِنْ الْجِلْدِ، فَإِنْ لَبِسَهُمَا فَوْقَ الْخُفَّيْنِ جَازَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، لَا يَجُوزُ وَإِنْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ وَحْدَهُ، قِيلَ: " إنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ "، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ؛ فَلَوْ جَوَّزْنَا الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ، لَجَعَلْنَا لِلْبَدَلِ بَدَلًا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْت «النَّبِيَّ ﷺ مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ»
1 / 10