بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ بِقَوْلِهِ: امْسَحْ عَلَيْهَا»، وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ.
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ ﵁ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، فَلَا تَثْبُتُ الْفَرْضِيَّةُ بِهِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إذَا كَانَ الْمَسْحُ لَا يَضُرُّهُ يَجِبُ بِلَا خِلَافٍ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَالَ: " إنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ " عَنَى بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَفْرُوضَ اسْمٌ لِمَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَوُجُوبُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ ثَبَتَ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ ﵁ وَأَنَّهُ مِنْ الْآحَادِ فَيُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ.
وَمَنْ قَالَ إنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ وَاجِبٌ عِنْدَهُمَا فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ وُجُوبَ الْعَمَلِ لَا الْفَرْضِيَّةَ، وَعَلَى هَذَا لَا يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِفَرْضِيَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ لِانْعِدَامِ دَلِيلِ الْفَرْضِيَّةِ، بَلْ بِوُجُوبِهِ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوب فِي حَقِّ الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا الْفَرْضِيَّةُ تَثْبُتُ بِدَلِيلٍ زَائِدٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ﵁ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ، وَالْجَوَازُ، وَعَدَمُ الْجَوَازِ يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى الْوُجُوبِ، وَعَدَمُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ، وَلَوْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى بَعْضِ الْجَبَائِرِ، وَمَسَحَ عَلَى الْبَعْضِ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ مَسَحَ عَلَى الْأَكْثَرِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، بِخِلَافِ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْأَكْثَرُ لِأَنَّ هُنَاكَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّقْدِيرِ، فَلَا تُشْتَرَطُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُقَدَّرِ، وَهَهُنَا لَا تَقْدِيرَ مِنْ الشَّرْعِ بَلْ وَرَدَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ، فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ ضَرْبِ حَرَجٍ فَأُقِيمَ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْجَمِيعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبُ نَوَاقِضِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ.
(وَأَمَّا) بَيَانُ مَا يَنْقُضُ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ،، وَبَيَانُ حُكْمِهِ إذَا انْتَقَضَ فَسُقُوطُ الْجَبَائِرِ عَنْ بُرْءٍ يَنْقُضُ الْمَسْحَ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْجَبَائِرَ إذَا سَقَطَتْ فَإِمَّا أَنْ تَسْقُطَ لَا عَنْ بُرْءٍ أَوْ عَنْ بُرْءٍ.
وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ سَقَطَتْ لَا عَنْ بُرْءٍ فِي الصَّلَاةِ مَضَى عَلَيْهَا، وَلَا يَسْتَقْبِلُ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ يُعِيدُ الْجَبَائِرَ إلَى مَوْضِعِهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ، وَكَذَلِكَ إذَا شَدَّهَا بِجَبَائِرَ أُخْرَى غَيْرَ الْأُولَى، بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا سَقَطَ الْخُفُّ فِي حَالِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ، وَإِنْ سَقَطَ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغَسْلُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَاكَ سُقُوطَ الْغَسْلِ لِمَكَانِ الْحَرَجِ كَمَا فِي النَّزْعِ، فَإِذَا سَقَطَ فَقَدْ زَالَ الْحَرَجُ، وَهَهُنَا السُّقُوطُ بِسَبَبِ الْعُذْرِ، وَأَنَّهُ قَائِمٌ فَكَانَ الْغَسْلُ سَاقِطًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْمَسْحُ، وَالْمَسْحُ قَائِمٌ، وَإِنَّمَا زَالَ الْمَمْسُوحُ، كَمَا إذَا مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَلَقَ الشَّعْرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إعَادَةُ الْمَسْحِ، وَإِنْ زَالَ الْمَمْسُوحُ كَذَلِكَ هَهُنَا.
وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ فَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُحْدِثٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ تَوَضَّأَ، وَغَسَلَ مَوْضِعَ الْجَبَائِرِ إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا غَسَلَ مَوْضِعَ الْجَبَائِرِ لَا غَيْرُ، لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ فِيهِ، فَوَجَبَ غَسْلُهُ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْغَسْلِ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ قَائِمٌ لِانْعِدَامِ مَا يَرْفَعُهَا، وَهُوَ الْحَدَثُ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُهَا، وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ يَسْتَقْبِلُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ
وَلَوْ مَسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ وَصَلَّى أَيَّامًا، ثُمَّ بَرَأَتْ جِرَاحَتُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا صَلَّى بِالْمَسْحِ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ الْجَبْرُ عَلَى الْجُرْحِ، وَالْقُرْحِ يُعِيدُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْكَسْرِ فَلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ نَادِرٌ، فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عِنْدَ زَوَالِهِ كَالْمَحْبُوسِ فِي السِّجْنِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَوَجَدَ تُرَابًا نَظِيفًا أَنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، ثُمَّ يُعِيدُ إذَا خَرَجَ مِنْ السِّجْنِ كَذَلِكَ هَهُنَا.
(وَلَنَا) مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّ «النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ»، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَى الْبَيَانِ.
(وَأَمَّا) بَيَانُ مَا يُفَارِقُ فِيهِ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ (فَمِنْهَا): أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِالْأَيَّامِ، بَلْ هُوَ مُؤَقَّتٌ بِالْبُرْءِ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُؤَقَّتٌ بِالْأَيَّامِ لِلْمُقِيمِ يَوْمٌ، وَلَيْلَةٌ، وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلَيَالِيهَا؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ بِالشَّرْعِ، وَالشَّرْعُ وَقَّتَ هُنَاكَ بِقَوْلِهِ: " يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا، وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا " وَلَمْ يُؤَقِّتْ هَهُنَا بَلْ أَطْلَقَ بِقَوْلِهِ: " امْسَحْ عَلَيْهَا ".
(وَمِنْهَا): أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ لِوَضْعِ الْجَبَائِرِ، حَتَّى لَوْ وَضَعَهَا، وَهُوَ مُحْدِثٌ، ثُمَّ تَوَضَّأَ جَازَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَتُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ لِلُبْسِ الْخُفَّيْنِ، حَتَّى لَوْ لَبِسَهُمَا، وَهُوَ مُحْدِثٌ، ثُمَّ تَوَضَّأَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا، فَإِذَا مَسَحَ عَلَيْهَا فَكَأَنَّهُ غَسَلَ مَا تَحْتَهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْغَسْلِ، وَالْخُفُّ جُعِلَ مَانِعًا مِنْ نُزُولِ الْحَدَثِ بِالْقَدَمَيْنِ لَا رَافِعًا لَهُ
1 / 14