بِالْكُلِّ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ الطَّهَارَةَ إذَا تَمَّتْ لَا تُنْتَقَضُ إلَّا بِالْحَدَثِ، وَنَزْعُ الْخُفِّ لَا يُعْقَلُ حَدَثًا (وَلَنَا) أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ اسْتِتَارُهَا بِالْخُفِّ وَقَدْ زَالَ بِالنَّزْعِ فَسَرَى الْحَدَثُ السَّابِقُ إلَى الْقَدَمَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الطَّهَارَةِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فَإِذَا وَجَبَ غَسْلُ إحْدَاهُمَا وَجَبَ الْأُخْرَى وَلَوْ أَخْرَجَ الْقَدَمَ إلَى السَّاقِ اُنْتُقِضَ مَسْحُهُ، لِأَنَّ إخْرَاجَ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ إخْرَاجٌ لَهَا مِنْ الْخُفِّ، وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ قَدَمِهِ، أَوْ خَرَجَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَ أَكْثَرَ الْعَقِبِ مِنْ الْخُفِّ اُنْتُقِضَ مَسْحُهُ، وَإِلَّا فَلَا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَ أَكْثَرَ الْقَدَمِ مِنْ الْخُفِّ اُنْتُقِضَ، وَإِلَّا، فَلَا، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ فِي الْخُفِّ مِقْدَارُ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ بَقِيَ الْمَسْحُ، وَإِلَّا اُنْتُقِضَ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّهُ يَسْتَمْشِي فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ الْمُعْتَادُ بَقِيَ الْمَسْحُ، وَإِلَّا فَيُنْتَقَضُ.
وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ اعْتِبَارُ أَكْثَرِ الْقَدَمِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ يَتَعَذَّرُ بِخُرُوجِ أَكْثَرِ الْقَدَمِ، وَلَا بَأْسَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ لُبْسِ الْخُفِّ هُوَ الْمَشْيُ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْمَشْيُ انْعَدَمَ اللُّبْسُ فِيمَا قُصِدَ لَهُ؛؛ وَلِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ.
مَطْلَبُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ (وَأَمَّا) الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ جَوَازِهِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ جَوَازِهِ.
وَفِي بَيَانِ صِفَةِ هَذَا الْمَسْحِ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟، وَفِي بَيَانِ مَا يَنْقُضُهُ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ إذَا اُنْتُقِضَ، وَفِي بَيَانِ مَا يُفَارِقُ فِيهِ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ (أَمَّا) الْأَوَّلُ: فَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ جَائِزٌ،، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: كُسِرَ زَنْدِي يَوْمَ أُحُدٍ فَسَقَطَ اللِّوَاءُ مِنْ يَدِي فَقَالَ النَّبِيُّ: ﷺ «اجْعَلُوهَا فِي يَسَارِهِ فَإِنَّهُ صَاحِبُ لِوَائِي فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصْنَعُ بِالْجَبَائِرِ؟ فَقَالَ: امْسَحْ عَلَيْهَا» شُرِعَ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ عِنْدَ كَسْرِ الزَّنْدِ فَيَلْحَقُ بِهِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْجُرْحِ، وَالْقُرْحِ.
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «لَمَّا شُجَّ فِي وَجْهِهِ يَوْمَ أُحُدٍ دَاوَاهُ بِعَظْمٍ بَالٍ، وَعَصَبَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْعِصَابَةِ»، وَلَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ؛ لِأَنَّ فِي نَزْعِهَا حَرَجًا وَضَرَرًا.
[شَرْط جَوَازِ الْمَسْح]
مَطْلَبُ شَرْطِ جَوَازِ الْمَسْحِ (وَأَمَّا) شَرَائِطُ جَوَازِهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَسْلُ مِمَّا يَضُرُّ بِالْعُضْوِ الْمُنْكَسِرِ وَالْجُرْحِ وَالْقُرْحِ، أَوْ لَا يَضُرُّهُ الْغَسْلُ لَكِنَّهُ يُخَافُ الضَّرَرَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى بِنَزْعِ الْجَبَائِرِ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ، وَلَا يُخَافُ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَسْقُطُ الْغَسْلُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ لِمَكَانِ الْعُذْرِ، وَلَا عُذْرَ ثُمَّ إذَا مَسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ، وَالْخِرَقِ الَّتِي فَوْقَ الْجِرَاحَةِ جَازَ لِمَا قُلْنَا فَأَمَّا إذَا مَسَحَ عَلَى الْخِرْقَةِ الزَّائِدَةِ عَنْ رَأْسِ الْجِرَاحَةِ وَلَمْ يَغْسِلْ مَا تَحْتَهَا فَهَلْ يَجُوزُ؟ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ،، وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ حَلَّ الْخِرْقَةَ، وَغَسَلَ مَا تَحْتَهَا مِنْ حَوَالَيْ الْجِرَاحَةِ مِمَّا يَضُرُّ بِالْجُرْحِ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخِرْقَةِ الزَّائِدَةِ، وَيَقُومُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا مَقَامَ غَسْلِ مَا تَحْتَهَا كَالْمَسْحِ عَلَى الْخِرْقَةِ الَّتِي تُلَاصِقُ الْجِرَاحَةَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْجُرْحِ عَلَيْهِ أَنْ يَحِلَّ، وَيَغْسِلَ حَوَالَيْ الْجِرَاحَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ.
وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ عَلَى عَيْنِ الْجِرَاحَةِ مِمَّا يَضُرُّ بِهَا، فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِهَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا عَلَى نَفْسِ الْجِرَاحَةِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْجَبِيرَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ عَلَى الْجَبِيرَةِ لِلْعُذْرِ، وَلَا عُذْرَ.
وَلَوْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَلَى رَأْسِهِ، وَبَعْضُهُ صَحِيحٌ، فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ قَدْرَ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ، وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ هُوَ هَذَا الْقَدْرُ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الرَّأْسِ صَحِيحٌ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ، وَعِبَارَةُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا " إنْ ذَهَبَ عَيْرٌ فَعَيْرٌ فِي الرِّبَاطِ " وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ، وَعَدَمَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَمْسَحُ عَلَى الْجَبَائِرِ.
(وَأَمَّا) بَيَانُ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ، وَذَلِكَ يَضُرُّهُ أَجْزَأَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: إذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ لَمْ يَجُزْ، فَخَرَجَ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صُورَةٍ، وَخَرَجَ جَوَابُهُمَا فِي صُورَةٍ أُخْرَى، فَلَمْ يَتَبَيَّنْ الْخِلَافُ.
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ يَضُرُّهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، فَالْمَسْحُ أَوْلَى وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ فَقَدْ حَقَّقَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الِاخْتِلَافَ، فَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَهَكَذَا ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ، وَيَعْقُوبَ، وَعِنْدَهُمَا وَاجِبٌ، وَحُجَّتُهُمَا مَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «أَمَرَ عَلِيًّا ﵁
1 / 13