ثم وردت أخرى حمر أخرى، فصنع كالأول، فقال:
ما بال سهى يوقد الحباحبا ... وكنت أرجو أن يكون صائبا
إذ أمكن العير وأبدى جانبًا ... وصار ظني فيه ظنًا كاذبا
وخفت أن أرجع يومي خائبا ... إذ أفلتت أربعة ذواهبا
ثم وردت أخرى، فصنع كالأول، فقال:
أبعد خمسٍ قد حفظت عدها ... أحمل قوسي وأريد ردها!
أخزى الإله لينها وشدها ... والله لا تسلم عندي بعدها
ولا أرجى ما حييت رفدها ... قد أعذرت نفسي وأبلت جهدها
ثم خرج من مكمنه، فاعترضته صخرة، فضرب بالقوس عليها حتى كسرها، ثم قال: أبيت ليلتي، ثم آتي أهلي. فبات، فلما أصبح رأى خمسة حمرٍ مصرعة، ورأى أسهمه مضرجة بالدم، فندم على ما صنع، وعض على أنامله حتى قطعها وقال:
ندمت ندامةً لو أن نفسي ... تطاوعني إذًا لقتلت نفسي
تبين لي سفاة الرأي مني ... لعمر الله حين كسرت قوسي
وقد كانت بمنزلة المفدى ... لدي وعند صبياني وعرسي
فلم أملك غداة رأيت حولي ... حمير الوحش أن ضرجت خمسي
وقد روى في طلاق الفرزدق غير هذا، وليس هذا موضع ذكره.
وروى الحاتمي في كتاب حلية المحاضرة وغيره
قال: خرج جرير والفرزدق من العراق طالبي الرصافة لهشام بن عبد الملك وقد مدحاه، فلما كانا ببعض الطريق نزل جرير ليبول، فتلفتت ناقة الفرزدق، فضربها بالسوط وقال:
علام تلفتين وأنت تحتي ... وخير الناس كلهم أمامي!
متى تردي الرصافة تستريحي ... من الأنساع والدبر الدوامي
ثم قال لرواتهما: الساعة يجئ ابن المراغة فأنشده البيتين، فينقضهما بأن يقول:
تلفت إنها تحت ابن قينٍ ... إلى الكيرين والفأس الكهام
متى ترد الرصافة تخز فيها ... كخزيك في المواسم كل عام
فرجع جرير، فوجد القوم يضحكون، فقال: ما الخبر؟ فقال أحد الرواة: يا أبا حرزة، إن أخاك أبا فراس وقع له كيت وكيت وأنشده البيتين الأولين، فارتجل البيتين الآخرين، فعجب القوم من ذلك الاتفاق، وقالوا: والله يا أبا حرزة، لهكذا زعم أنك
1 / 13