لا يردان على سمع ذي لب إلا صدر استحسانه لهما، فقال محمد: الرغبة فيما تأتي به حائلة دون كل رهبة؛ فهات ما عندك، فقال:
ظبية كالغزال لو تلحظ الصخ ... ر بطرفٍ لغادرته هشيمًا
وإذا ما تبسمت خلت ما تب ... دى من الثغر لؤلؤًا منظوما
فقال محمد: أحسنت والله، فأجز هذا الشعر:
لم تطب اللذات إلا لمن ... طابت له لذة تنوسة
غنت بصوتٍ أطلقت عبرة ... كانت بحسن الصبر محبوسة
فقال ماني:
وكيف صبر النفس عن غادةٍ ... تظلمها إن قلت: طاووسة
وجرت إن شبهتها بانةً ... في جنة الفردوس مغروسة
ثم سكت، فقال محمد: فأعد لي وصفك لها، فقال:
وغير عدلٍ إن قرنا بها ... جوهرةً في التاج ملموسة
جلت عن الوصف فما فكرة ... تلحقها بالنعت محسوسة
فقالت تنوسة: وجب علينا يا ماني شكرك، فساعدك دهرك، وعطف عليك إلفك، وقارنك سرورك، وفارقك محذورك، والله تعالى يديم لنا السرور ببقاء من بقائه اجتمع شملنا، وطاب يومنا، فأنشأ يقول:
ليس لي إلف فيقطعني ... فارقت نفسي الأباطيل
أنا موصول بنعمة من ... حبله بالحمد موصول
أنا مشمول بمنة من ... منه في الخلق مبذول
أنا مغبوط زورة من ... ربعه بالمجد مأهول
فأومأ إليه ابن طالوت بالقيام، فنهض وهو يقول:
ملك عز النظير له ... زانه الغر البهاليل
طاهري في مركبه ... عرفه للناس مبذول
دم من يشقى بصارمه ... مع هبوب الريح مطلول
فقال محمد: وجب جزاؤك، لشكرك على غير نعمة سلفت منا إليك. ثم أقبل على ابن طالوت فقال: يا هذا، ليست خساسة ثوب المرء واتضاع المنظر ونبو العين بمذهبةٍ جوهر الأدب المركب فيه، ولله در صالح بن عبد القدوس حيث يقول:
1 / 81