وأجداث الأنبياء المباركة الطيبة؛ فلما جد بنا المسير، وسهل من فراق الأهل والأوطان العسير، وقطعت المطايا بنا الربا والوهاد، ولم يسمع إلا هيد وهاد، صنع الشهاب:
يا رب كالشهاب المحرق
قدحته من زند عودٍ أورق
يسير في الخرق مسير الأخرق
فهل رأت عيناك عدو النقنق
حتى إذا ماافتر ثغر المشرق
ثم استجازني فقلت:
ولاح في الجو احمرار الشفق
كالخمر صبت في زجاجٍ أزرق
بدا على الآل قطار الأينق
كمثل سطرٍ في بياض مهرق
أو كالمدارى في مشيب المفرق
كم بازلٍ في بحره كالزورق
أو كهلالٍ مشرقٍ في زبرق
وهذه أيضًا حكاية بديعة، تشتمل على نوعي الإجازة
القديم والعصري، قصدت بإيرادها في هذا الموضع أن تكون دهليزًا للخروج من القسم الأول، والدخول في القسم الثاني لما بينهما من الاشتراك فيها:
روى من طرق مختلفة كتبت أكملها وأتمها، أن الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر ارتاح منادمة من بعد عهده بمنادمته، أو من لم يره، وحضره صاحبه الحسن بن محمد بن طالوت - وكان أخص الناس به - فقال له: لابد لنا في يومنا هذا من ثالث، نطيب بمعاشرته، ونلتذ بصحبته ومؤانسته، فمن ترى أن يكون طاهر الأعرق، غير دنس الأخلاق؟ فأعمل فكره، وأمعن نظره، وقال: أيها الأمير؛ قد خطر ببالي رجل ليست علينا في مجالسته كلفة، قد خلا من إبرام المجالسة، وبرئ من ثقل المؤانسة، خفيف الوقفة إذا أحببت، سريع الوثبة إذا أمرت، قال: ومن ذاك؟ قال: ماني الموسوس، قال: أحسنت والله. فتقدم إلى أصحاب الأرباع بطلبه، فما كان أسرع من أن اقتنصه صاحب ربع الكرخ، فصار به إلى باب الأمير فأدخل الحمام، وأخذ من شعره،
1 / 79