وأظهرت النوم، وعاد يحادث غلامه بأعذب لفظ وأحلى معاتبة، ويخلط ذلك بمواعيد تدل على سعة حال وانبساط يد، وغلامه تارة يقبل يده وتارة يقبل فمه.
وغلبني عيناي إلى أن أيقظني هواء السحر، فانتبهت وهما متعانقان مما عليهما من اللباس فأوردت توديعه، وكرهت إنباهه وإزعاجه، فخرجت، فلقيني الخادم يريد إيقاظه وتعريفه انصرافي، فأقسمت عليه ألا يفعل، ووجدت غلامي قد بكر بما أركبه كما كنت أمرته، فركبت منصرفًا، وعازمًا على العودة إليه والتوفر على مواصلته، وأخذ الحظ من معاشرته، ومتوهمًا أن ماكنت فيه منام لطيبه، وقرب آخره من أوله.
واعترضتني أسباب أدت إلى اللحاق بسيف الدولة، فسرت على أتم حسرة لما فاتني من معاودة لقائه، وقلت في ذلك:
ويومٍ كأن الدهر سامحنا به ... فصار اسمه ما بيننا هبة الدهر
جرت فيه أفراس الصبا بارتياحنا ... إلى دير مران المعظم والعمر
بحيث هواء الغوطتين معطر ال ... نسيم بأنفاس الرياحين والزهر
فمن روضة بالحسن ترفد روضةً ... ومن نهرٍ بالفيض يجري إلى نهر
وفي الهيكل المعمور منه افترعتها ... وصحبي حلالًا بعد توفية المهر
ونزهت عن غير الدنانير قدرها ... فما زلت منها اشرب التبر بالتبر
وحل لنا ما كان منها محرمًا ... وهل يحظر المحظور في بلد الكفر!
فأهدت لي الأيام منها مودةً ... دعتني إلى ستر فلبيت في ستر
أتى من شريف الطبع أصدق رغبة ... يخاطبني عن معدن النظم والنثر
فلاقيت ملء العين نبلًا وهمةً ... محلى السجايا بالطلاقة والبشر
وكان جوابي طاعةً لا مقالةً ... ومن ذا لايستجيب إلى اليسر!
وأحشمني بالود حتى ظننته ... يريد اختداعي عن حياتي ولا أدري
ونزه عن غيري الصفاء اجتماعنا ... فكنت وإياه كقلبين في صدر
وشاء سرور أن يلينا بثالث ... فلاطفنا بالبدر أو بأخي البدر
بمعطٍ عيونًا ما اشتهت من جماله ... ومضنٍ قلوبًا بالتجنب والهجر
جنينا جنى الورد في غير وقته ... وزهر الربا من ورد خديه والثغر
وقابلنا من وجهه وشرابه ... بشمسين في جنحي دجا الليل والشعر
وغنى فصار السمع كالطرف آخذًا ... بأوفر حظ من محاسنه الزهر
1 / 76