الكشح مخطفه، معتدل القوام أهيفه، تخال الشمس برقعت غرته، والليل ناسب أصداغه وطرته.
في غلالة تم على ما تستر، وتجفو مع رقتها عما يظهر، وعلى رأسه مجلسية، فصمته فبهر عقلي، واستوقف نظري، ثم أجفل كالظبي المذعور، وتلوته والراهب إلى صحن القلاية، فإذا أنا ببيت فضي الحيطان، رخامي الأركان، يضم طارمة خيش مفروشة بحصير مستعمل، فوثب إلينا منه فتى مقتبل الشبيه، حسن الصورة، ظاهر النبل والهيئة، متزى من اللباس بزي غلامه، فلقيني حافيًا يعثر في سراويله، واعتقني، ثم قال: إنما استخدمت هذا الغلام في تلقيك يا سيدي لأجعل ما لعلك استحسنته من صورته، مصانعًا لما يرد عليك من مشاهدتي.
فاستحسنت اختصاره الطريق إلى بسطى، وارتجاله إلى النادرة على نفسه حرصًا على تأنيسي. وأفاض في شكري على المسارعة إلى امتثال أمره، مكدود بمن كان معك، والتمكن من الأنس بك لا يتم إلا براحتك.
وقد كان الأمر على ما ذكر، فاستلقيت يسيرًا ثم نهضت، فخدمت في حالتي النوم واليقظة الخدمة التي عهدتها في دار الملوك وجلة الرؤساء. ثم جاءنا خادم لم أر أحسن وجهًا، ولا أتم سوادًا منه، يضم ما يتخذ للعشاء مما خف ولطف، فقال: يا سيدي العشاء مني للحاجة، ومنك للمؤانسة. فنلنا شيئًا.
وأقبل الليل وطلع القمر، ففتحت مناظر ذلك البيت إلى فضاءٍ أدى إلينا محاسن الغوطة، وحبانا بذخائر رياضها من المنظر الجناني، والنسيم العطري، وجاءنا الراهب من الأشربة بما وقع اتفاقنا عليه، واقتعدنا غارب اللذة، وجرينا في ميدان المفاوضة، وأخذ يناهبني نوادر الأخبار وملح الأشعار، ويخلط ذلك من المرح بأظرفه، ومن التودد بألطفه، فلما توسطنا الشرب التفت إلى غلامه وقال: يا مترف، إن مولاك لم يدخر عنا ممكنًا من السرور بحضرته فينبغي لنا ألا ندخر ممكنًا من تمام مسرته. فامتقع وجه الغلام حياء وخفرًا، فأقسم عليه بحياته، وأنا لا أعلم ما يريد، فمضى ثم عاد يحمل طنبورًا، وجلس فقال لي: تأذن لي يا سيدي في خدمتك؟ فهممت بتقبيل يديه، لما داخلني من عظم المسرة بذلك، فأصلح الغلام الطنبور، وضرب وغنى يقول:
يا مالكى وهو ملكي ... وسالبي ثوب نسكي
نزه يقين الهوى في ... ك عن تعرض شك
لولاك ما بت أبكي ... إلى الصباح وأبكي
1 / 74