قال بن ظافر
وبالإسناد المتقدم عن أبي الحسن على ابن بسام الشنتريني مما أورده في كتاب الذخيرة ما هذا معناه، واللفظ لي: أن المعتمد على الله أبا القاسم محمد بن عباد صاحب إشبيلية وغرب الأندلس جلس يومًا للشرب، وذلك في وقت مطر أجرى كل وهدةٍ نهرا؛ وحلى جيد كل غصن من الزهر جوهرًا، وبين يديه ساقية تخجل الزهر بطيب العرف والريا، وتقابل بدر وجهها بشهاب الكاس في راحة الثريا، فاتفق أن لعب البرق بحسامه، وأجال سوطه المذهب ليسوق به ركاب ركامه، فارتاعت لخطفته، وذعرت من خيفته، فقال بديهًا:
روعها البرق وفي كفها ... برق من القهوة لماع
عجبت منها وهي شمس الضحى ... كيف من الأنوار ترتاع!
وحين صنعهما أطربه معناهما وهزه، وحركه استحسانهما واستفزه، فاستدعى عبد الجليل بن وهبون المرسي، وأنشده البيت الأول، فقال عبد الجليل:
ولن ترى أعجب من آنسٍ ... من مثل ما يمسك يرتاع
فاستحسنه، وأمر له بجائزة. وبيته أحسن من بيت المعتمد عندي.
وأخبرنا القاضي السعيد أبو القاسم هبة الله بن سناء الملك ﵀ بما هذا معناه
قال: تذاكرنا في بعض الأيام بديوان الإنشاء، فأفضى بنا الحديث إلى ذكر الناشي الأصغر وقوله في وردة:
ووردة في بنان معطار ... حيا بها في خفي إسرار
كأنها وجنة الحبيب وقد ... نقطها عاشق بدينار
فقلت: تشبيه الصفرة بالدينار فيه بعض تقصير، وعليه نقد خفي لا يدركه إلا الناقد البصير، وهو كون الصفرة في رأى العين أصغر من الدينار، ولو قال:
كمثل وجنة خودٍ ... قد نقطت برباع
لكان أخصر وأحسن؛ فاستحسنته الجماعة، فقال السديد هبة الله بن سراج منشئ الديوان: يا قوم، أنا أجيزه ببيتٍ أول، ثم صنع جاريًا على عادته في التجنيس:
ووردةٍ نالت الحس ... ن إذ زهت في الرباع
وأخبرني صاحبنا الفقيه أبو الفضل جعفر الحموي
قال: مر بي في بعض الأيام يهودي يعرف بأبي الخير، أقبح الناس صورة، وأشدهم تنافر خلقة، قصير القامة، طويل اللحية، بارز الأنف، فحين رأيته وقع لي بيت على شبه الارتجال؛ وهو:
1 / 58