اليكي الشاعر - وهو بجامع عدوة القرويين بفاس - يحكى لأبي ولجماعة معه، قال: خرجت من فاس قاصدًا تلمسان، فدخلت في بعض الخانات، وكانت ليلة مطيرة جدًا، فأنزلني صاحب الخان في بيتٍ مفرد، وأوقد لي قنديلًا، فبينما أنا جالس، وإذا برجل قد فتح الباب، ودخل علي وعلى وجهه سلهامة قد سترته، فجلس وقد عرفني ولم أعرفه، فسألته عن صناعته، فقال: أنا شاعر، فقلت له كالمستهزئ به: أجز - وضربت بعيني إلى شيءٍ أصفه، فلم أجد غير القنديل فقلت:
وقنديلٍ كأن الضوء فيه ... محيا من أحب إذا تجلى
فقال في الحال:
أشار إلى الدجى بلسان أفعى ... فشمر زيله هربًا وولى
فجننت استحسانًا لما أتى، فكشف السلهامة عن وجهه، فإذا هو أبو العباس البني الشاعر فقال: كيف ترى هذا الكهن وما فجأك منه! وبتنا بأطيب ليلة، فلما قام الركب للسفر سار هو إلى فاس، وسرت أنا إلى تلمسان.
وأخبرني القاضي السعيد أبو القاسم هبة الله بن سناء الملك ﵀
قال: أخبرني الشريف الجليل الوافد من العراق على الدولة المصرية، قال: اجتمعت في بعض الأيام بأمين الدولة أبي الحسن هبة الله ابن صاعد - قال علي بن ظافر: هو المعروف بابن التلميذ وإنما أمه من بنات التلميذ فعرف بذلك - قال: فأخذنا في ذم الدهر وإخنائه على أهل الفضل، وإذا بكلاب الصيد التي برسم الخليفة قد أبرزت في جلال الوشي والديباج، فحرك ذلك ماكنًا نتجاذب أهدابه في ذم الدهر، فقلت:
من كان يكسو الكلب وش ... يًا ثم يقنع لي بجلدي
واستجزته فقال:
الكلب خير عنده ... مني وخير منه عتدي
وأخبرني الأجل بهاء الدين بن الساعاتي المقدم ذكره
قال: حضرت مجلس سماعٍ عند بعض الرؤساء، فغنى مغن قبيح النغمة، سيء الضرب، فقال بعض الحاضرين:
من منصفي ممن إذا ... ما ناح نحت لقبح نغمة
واستجازني، فقلت:
هو خارج وقت الغنا ... ء وداخل في رحم أمه
1 / 54