مُقَدّمَة الْمُؤلف
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة نَاصِر السّنة شهَاب الدّين
أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن اسماعيل بن ابراهيم الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ الْحَمد لله هادي الورى طرق الْهدى وزاجرهم عَن أَسبَاب التَّهْلُكَة والردى وَصلَاته وَسَلَامه على عبَادَة الَّذين اصْطفى من ملك وَنَبِي مرتضى وَعبد صَالح أتبع مَا شرعة فاهتدى وإياه نسْأَل بمنه وفضله أَن ينفعنا بِالْعلمِ وَأَن يجعلنا من أَهله وَأَن يوفقنا للْعَمَل بِمَا علمنَا وَتعلم مَا جهلنا وَإِلَيْهِ نرغب فِي أَن يعيذنا من أَتبَاع الْهوى وركوب مَالا يرتضى وَأَن نشرع فِي دينه مالم يشرع أَو أَن نقُول عَلَيْهِ مالم يَصح أَو يسمع وَأَن يعصمنا فِي الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال من تَزْيِين الشَّيْطَان لنا سوء الْأَعْمَال وَأَن يَقِينا زلَّة الْعَالم وَأَن يُبصرنَا بعيوننا فَمَا خلق من الْعَيْب بسالم وَأَن يرشدنا لقبُول نصح الناصح وسلوك الطَّرِيق والواضح فَمَا أسعد من ذكر فَتذكر وبصر بعيوبه فتبصر وَصلى الله على من بَعثه بِالدّينِ القويم والصراط الْمُسْتَقيم فأكمل بِهِ الدّين وأوضح بِهِ الْحق المستبين مُحَمَّد بن عبد الله أبي الْقَاسِم الْمُصْطَفى الْأمين صَلَاة الله وَسَلَامه عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ ورضى الله عَن الآئمة التَّابِعين وَالْعُلَمَاء من بعدهمْ العاملين الَّذين بلغُوا الينا سنته وشرحوا لنا هَدِيَّة وطريقته وأصلوا لنا أصولا ترجع إِلَيْهَا فيمَ أشكل علينا ونستضيء بهَا مَا استبهم علينا وميزوا مَا نقلوا إِلَيْنَا عَنهُ من بَين مَا يجب الرُّجُوع اليه من ذَلِك وَمَا يطْرَح وَمَا يوضع عَلَيْهِ مِمَّا قد تبين أمره واتضح فَالْوَاجِب على الْعَالم فِيمَا يرد عَلَيْهِ من الوقائع وَمَا يسْأَل عَنهُ من الشَّرَائِع الرُّجُوع الى مادل عَلَيْهِ كتاب الله الْمنزل وَمَا صَحَّ عَن نبيه الْمُرْسل وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ من الصَّدْر الاول
1 / 9
فَمَا وَافق ذَلِك أذن فِيهِ وَأمر وَمَا خَالفه نهى عَنهُ وزجر فَيكون قد آمن بذلك وَاتبع وَلَا يستحسن فَإِن من اسْتحْسنَ فقد شرع
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى حَدثنِي مُحَمَّد بن عبيد بن مَيْمُون قَالَ حَدثنِي عبد الله بن اسحق الْجَعْفَرِي قَالَ كَانَ عبد الله بن الْحسن يكثر الْجُلُوس الى ربيعَة قَالَ فتذاكروا يَوْمًا السّنَن فَقَالَ رجل كَانَ فِي الْمجْلس لَيْسَ الْعَمَل على هَذَا فَقَالَ عبد الله أَرَأَيْت ان كثر الْجُهَّال حَتَّى يَكُونُوا هم الْحُكَّام فهم الْحجَّة على السّنة فَقَالَ ربيعَة أشهد أَن هَذَا الْكَلَام أَبنَاء الْأَنْبِيَاء
وَبعد هَذَا كتاب جمعته محذرا من الْبدع زاجرا لمن وفْق لذَلِك وارتدع ممتثلا بِهِ قَول رب الْعَالمين وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ وسميته الْبَاعِث على إِنْكَار الْبدع والحوادث فَمَا على الْعَالم إِلَّا نشر علمه وَالله يهدي من يَشَاء الى مراسم حكمه وَمَا أحسن مَا روى عَن الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ قَالَ سَمِعت سُفْيَان بن عيبنة قَالَ إِن الْعَالم لَا يمارى وَلَا يُدَارِي ينشر حكمه الله تَعَالَى فان قبلت حمد الله وَإِن ردَّتْ حمد الله
قلت ثمَّ كَانَ من الْعَجَائِب والغرائب أَن وَقع فِي زَمَاننَا نزاع فِي بِدعَة صَلَاة الرغائب واحتيج بذلك الى التصنيف الْمُشْتَمل على ذمّ الْمُخَالف والتعفيف فحملتني الأنفة للْعلم وَالْحمية لصدق على تَمْيِيز الْبَاطِل من الْحق فألفت هَذَا الْجُزْء الْمَوْصُوف بالإنصاف فِيمَا وَقع فِي صَلَاة الرغائب من الإختلال وأضفت الى ذَلِك بَيَان الْبدع فِي غَيره مِمَّا يُنَاسِبه وضممت اليه مَا يُقَارِبه رغبه فِي تَعْلِيل المحن من مُخَالفَة السّنَن وقمعا للطائفة المبتدعة ورفعا لمنار المتشرعة وَالله الْكَرِيم أسَال ذَا الْجلَال الْأَكْمَل وَالعطَاء الأجزل أَن يسْلك بِنَا السَّبِيل الأعدل وَالطَّرِيق الأمثل فَهُوَ المؤمل لإجابة دُعَاء من أمل
1 / 10
فصل فِي تحذير النَّبِي ﷺ أَصْحَابه وَمن بعدهمْ من الْبدع ومحدثات الْأُمُور
وَقد حذر النَّبِي ﷺ وَأَصْحَابه فَمن بعدهمْ أهل زمانهم الْبدع ومحدثات الْأُمُور وَأمرُوهُمْ بالأتباع الَّذِي فِيهِ النجَاة من كل مَحْذُور وَجَاء فِي كتاب الله تَعَالَى من الْأَمر بالأتباع بِمَا لَا يرْتَفع مَعَه التّرْك قَالَ تَعَالَى ﴿قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله وَيغْفر لكم ذنوبكم﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾ وَهَذَا نَص فِيمَا نَحن فِيهِ وَقد روينَا عَن أبي الْحجَّاج بن جُبَير الْمَكِّيّ وَهُوَ من كبار التَّابِعين وَإِمَام الْمُفَسّرين قَول الله تَعَالَى ﴿وَلَا تتبعوا السبل﴾ قَالَ الْبدع والشبهات
وَقَالَ ﷿ ﴿فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا﴾ قَالَ إمامنا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن ادريس الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب الرسَالَة يَعْنِي وَالله أعلم الى مَا قَالَ الله وَالرَّسُول
وروينا عَن أبي عبد الله مَيْمُون بن مهْرَان الحرومي وَهُوَ من فُقَهَاء التَّابِعين قَالَ فِي هَذِه الْآيَة الرَّد الى الله الرَّد الى كِتَابه وَالرَّدّ الى رَسُوله إِذا قبض الى سنته
وَفِي صَحِيح مُسلم عَن عبد الله بن مَسْعُود رضى الله عَنهُ أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ مَا من نَبِي بَعثه الله ﷿ فِي أمه قبلي إِلَّا كَانَ لَهُ من أمته حواريون وَأَصْحَاب بأخذون بسنته ويقتدون بأَمْره وَفِي رِوَايَة يَهْتَدُونَ
1 / 11
بهدية ويستنون بسنته ثمَّ أَنَّهَا تخلف من بعدهمْ خلوف يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ويفعلون مَا لَا يؤمرون فَمن جاهدهم بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤمن وَمن جاهدهم بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤمن وَمن جاهدهم بِقَلْبِه فَهُوَ مُؤمن وَلَيْسَ وَرَاء ذَلِك من الْإِيمَان حَبَّة خَرْدَل
وَفِيه عَن جَابر بن عبد الله رضى الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي ﷺ كَانَ يَقُول فِي خطبَته خير الحَدِيث كتاب الله وَخير الْهدى هدى مُحَمَّد ﷺ وَشر الْأُمُور محدثاتها وكل محدثه بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة
وَأخرج الْحَافِظ أَبُو بكر البهيقي فِي كتاب الإعتقاد بِلَفْظ أصدق الحَدِيث كتاب الله وَأحسن الْهدى هدى مُحَمَّد ﷺ وَزَاد وكل ضَلَالَة فِي النَّار
وَأخْبرنَا أَبُو النجي الحريمي أخبرنَا ابو الْوَقْت عبد الأول أخبرنَا أَبُو الْحسن الداؤدي أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْحَمَوِيّ أخبرنَا أَبُو عمرَان السَّمرقَنْدِي أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ أخبرنَا عَفَّان حَدثنَا حَمَّاد بن زيد حَدثنَا عَاصِم بن بَهْدَلَة عَن أبي وَائِل عَن عبد الله بن مَسْعُود رضى الله عَنهُ قَالَ خطّ لنا رَسُول الله ﷺ يَوْمًا خطا ثمَّ قَالَ هَذَا سَبِيل الله ثمَّ خطّ خُطُوطًا عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله ثمَّ قَالَ هَذِه سبل على كل سَبِيل مِنْهَا شَيْطَان يَدْعُو إِلَيْهِ ثمَّ تلى وَإِن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فابتعوه وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله
وَبِه الى الدَّارمِيّ أخبرنَا أَبُو عَاصِم أخبرنَا ثَوْر بن يزِيد حَدثنَا خَالِد بن معدان عَن عبد الرَّحْمَن ابْن عَمْرو عَن عرباض بن ساريا رضى الله عَنهُ قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله ﷺ صَلَاة الْفجْر ثمَّ وعظنا موعظة بليغة ذرفت مِنْهَا الْعُيُون ووجلت مِنْهَا الْقُلُوب فَقَالَ قَائِل يَا رَسُول الله كَأَنَّهَا موعظة مُودع فأوصنا فَقَالَ أوصيكم بتقوى الله والسمع وَالطَّاعَة وَإِن
1 / 12
كَانَ عبدا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ من يَعش مِنْكُم بعدِي فسيرى إختلافا كثيرا فَعَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين عُضْو عَلَيْهَا بالنواجذ وَإِيَّاكُم والمحدثنات فَإِن كل محدثة بدعه قَالَ أَبُو عَاصِم مرّة وَإِيَّاكُم ومحدثات الْأُمُور فَإِن كل بِدعَة ضَلَالَة أخرجه أَبُو دَاوُود وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمَا وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَسنَن أبي دَاوُود من ابراهيم بن سعد عَن أَبِيه سعد بن أبراهيم عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله ﷺ من أحدث فِي أمرنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رد وَفِي رِوَايَة من صنع أمرا على غير أمرنَا فَهُوَ رد أَي مَرْدُود على فَاعله
وَقَالَ الدَّارمِيّ أخبرنَا مَرْوَان بن مُحَمَّد أخبرنَا سعيد عَن ربيعَة بن زيد قَالَ قَالَ معَاذ بن جبل رضى الله عَنهُ يفتح الْقُرْآن على النَّاس حَتَّى يقرأه الصَّبِي وَالْمَرْأَة وَالرجل فَيَقُول الرجل قد قَرَأت الْقُرْآن فَلم أتبع وَالله لأقومن بِهِ فيهم لعَلي أتبع فَيقوم بِهِ فيهم فَلَا يتبع فَيَقُول قد قَرَأت الْقُرْآن فَلم اتبع بِهِ وَقد قُمْت بِهِ فَلم أتبع لأختصرن فِي بَيْتِي مَسْجِدا لعَلي أتبع فيختصر فِي بَيته مَسْجِدا فَلَا يتبع فَيَقُول قد قَرَأت الْقُرْآن فَلم أتبع وَقمت بِهِ فيهم فَلم أتبع وَقد اختصرت فِي بَيْتِي فِي مَسْجِدا فَلم أتبع وَالله لأتينهم بِحَدِيث لَا يجدونه فِي كتاب الله وَلم يسمعوه عَن رَسُول الله ﷺ لعَلي أتبع قَالَ معَاذ فأياكم وَمَا جَاءَ بِهِ فَإِن مَا جَاءَ بِهِ ضَلَالَة وَأخرج أَبُو دوواد هَذَا الْأَثر بِلَفْظ آخر فَقَالَ قَالَ معَاذ إِن من وَرَائِكُمْ فتن يكثر فِيهَا المَال وَيفتح فِيهَا الْقُرْآن حَتَّى يَأْخُذهُ الْمُؤمن وَالْمُنَافِق وَالرجل وَالْمَرْأَة وَالصَّغِير وَالْكَبِير وَالْعَبْد وَالْحر فيوشك أَن يَقُول قَائِل مَا للنَّاس لَا يتبعوني وَقد قَرَأت الْقُرْآن مَا هم بمتبعي حَتَّى ابتدع لَهُم غَيره فأياكم وَمَا ابتدع فَإِنَّمَا إبتدع ضَلَالَة وأحذروا زيغة الْحَكِيم فَإِن الشَّيْطَان قد يَقُول كلمة الضلال على لِسَان الْحَكِيم وَقد يَقُول الْمُنَافِق كلمة الْحق
1 / 13
قَالَ الدَّارمِيّ أخبرنَا الحكم بن الْمُبَارك أخبرنَا عمر بن يحيى قَالَ سَمِعت أبي يحدث عَن أَبِيه قَالَ كُنَّا نجلس على بَاب عبد الله بن مَسْعُود قبل صَلَاة الْغَدَاة فَإِذا خرج مشينا مَعَه الى الْمَسْجِد فجاءنا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَقَالَ أخرج عَلَيْكُم أَبُو عبد الرَّحْمَن بعد قُلْنَا لَا فَجَلَسَ مَعنا حَتَّى خرج فَلَمَّا خرج قمنا اليه جَمِيعًا فَقَالَ يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن أَنِّي رَأَيْت فِي الْمَسْجِد آنِفا أمرا أنكرته وَلم أر وَالْحَمْد لله إِلَّا خيرا قَالَ فَمَا هُوَ قَالَ إِن عِشْت فستراه قَالَ رَأَيْت فِي الْمَسْجِد قوما حلقا جُلُوسًا ينتظرون الصَّلَاة فِي كل حَلقَة رجل وَفِي أَيْديهم حَصى فَيَقُول كبروا مائَة فيكبرون مائَة فَيَقُول هللوا مائَة فيهللون مائَة فَيَقُول سبحوا مائَة فيسبحون مائَة قَالَ فَمَاذَا قلت لَهُم قَالَ مَا قلت لَهُم شَيْئا انتظارك رَأْيك اَوْ انْتِظَار أَمرك قَالَ أَفلا أَمرتهم أَن يعدوا سيآتهم وضمنت لَهُم أَن لَا يضيع من حسناتهم شَيْء ثمَّ مضى ومضينا مَعَه حَتَّى أَنِّي حَلقَة من تِلْكَ الْحلق فَوقف عَلَيْهِم فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي آراكم تَصْنَعُونَ قَالُوا يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن حَصى نعد بِهِ التَّكْبِير والنهليل وَالتَّسْبِيح والتحميد قَالَ فعدوا سَيِّئَاتكُمْ فَأَنا ضَامِن أَن لَا يضيع من حسناتكم شَيْء وَيحكم يَا أمة مُحَمَّد مَا أسْرع هلكتكم هَؤُلَاءِ أصحابة متوافرون وَهَذِه ثِيَابه لم قبل وآنيته لم تكسر وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ انكم لعلى مِلَّة هِيَ أهْدى من مِلَّة مُحَمَّد أَو مفتتحوا بَاب ضَلَالَة قَالُوا وَالله يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن مَا أردنَا إِلَّا الْخَيْر قَالَ وَكم من مُرِيد للخير لن يُصِيبهُ أَن رَسُول الله ﷺ حَدثنَا أَن قوما يقرأون الْقُرْآن لَا يُجَاوز تراقيهم وأيم الله لَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرهم مِنْكُم ثمَّ تولى عَنْهُم فَقَالَ عَمْرو بن سَلمَة رَأينَا عَامَّة اولئك يطاعنونا يَوْم النَّهر وان مَعَ الْخَوَارِج
أخبرنَا يعلي حَدثنَا الْأَعْمَش عَن حبيب عَن عبد الرَّحْمَن قَالَ قَالَ عبد الله أتبعوا وَلَا تبتدعوا فقد كفيتم
أخبرنَا مُوسَى بن خَالِد حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس عَن الْأَعْمَش عَن عمَارَة
1 / 14
وَمَالك بن الْحَرْث عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن عبد الله قَالَ الْقَصْد فِي السّنة خير من الِاجْتِهَاد فِي الْبِدْعَة
أخبرنَا أَبُو الْمُغيرَة أخبرنَا الآوزاعي عَن يحيى بن أبي قلَابَة قَالَ عبد الله بن مَسْعُود تعلمُوا الْعلم قبل أَن يقبض وَقَبضه ذهَاب أَهله أَلا وَإِيَّاكُم والتنطع والتعمق والبدع وَعَلَيْكُم بالعتيق
أخبرنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن حَفْص بن غياث حَدثنَا الْأَعْمَش قَالَ عبد الله أَيهَا النَّاس إِنَّكُم ستحدثون وَيحدث لكم فَإِذا رَأَيْتُمْ محدثة فَعَلَيْكُم بِالْأَمر الأول قَالَ حَفْص كنت أسْند هَذَا عَن حبيب عَن أبي عبد الرَّحْمَن ثمَّ دخلني مِنْهُ شكّ
أخبرنَا أَبُو النُّعْمَان حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن بَيَان بن بشر عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ دخل أَبُو بكر رضى الله عَنهُ على أمْرَأَة من أحمس يُقَال لَهَا زَيْنَب فرآها لَا تَتَكَلَّم قَالُوا نَوَت حجَّة مصمتة فَقَالَ لَهَا تكلمي فإ هَذَا لَا يحل هَذَا من عمل الْجَاهِلِيَّة
أخبرنَا مُحَمَّد ابْن عُيَيْنَة أخبرنَا عَليّ بن مسْهر عَن أبي اسحق عَن الشّعبِيّ عَن زِيَاد بن حدير قَالَ قَالَ لي عمر هَل تعرف مَا يهدم الأسلام قلت لَا قَالَ يهدمه زلَّة الْعَالم وجدال الْمُنَافِق بِالْكتاب وَحكم الْأَئِمَّة المضلين
أخبرنَا عبد الله بن صَالح حَدثنِي اللَّيْث حَدثنِي يزِيد بن أبي حبيب عَن عمر بن الْأَشَج ان عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ قَالَ أَنه سَيَأْتِي نَاس يجادلونكم بشبهات الْقُرْآن فخذوهم بالسنن فَإِن اصحاب السّنَن أعلم بِكِتَاب الله تَعَالَى
أخبرنَا أَبُو نعيم حَدثنَا زَمعَة بن صَالح عَن عُثْمَان بن حَاضر الْأَزْدِيّ
1 / 15
دخلت على ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا فَقلت أوصني فَقَالَ نعم عَلَيْك بتقوى الله تَعَالَى والاستقامة اتبع وَلَا تبتدع
وَأخرج الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ ﵀ فِي كتاب السّنَن الْكَبِير بِسَنَدِهِ الى ابْن عَبَّاس ان ابغض الْأُمُور الى الله تَعَالَى الْبدع وان من الْبدع الإعتكاف فِي الْمَسَاجِد الَّتِي فِي الدّور
وَفِي سنَن ابي دَاوُد عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رضى الله عَنْهُمَا كل عبَادَة لَا يتعبدها أَصْحَاب رَسُول الله ﷺ فَلَا تعبدوها فان الأول لم يدع للْآخر مقَالا فَاتَّقُوا الله يَا معشر الْقُرَّاء وخذوا طَرِيق من كَانَ قبلكُمْ
وَفِي كَلَام عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله تَعَالَى أوصيكم بتقوى الله تَعَالَى والأقتصاد فِي أمره وَاتِّبَاع سنة رَسُول الله ﷺ وَترك مَا أحدث المحدثون بعد
قَالَ الدِّرَامِي أخبرنَا الْحُسَيْن بن مَنْصُور حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن مبارك عَن الْحسن رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ سنتكم وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ بَينهمَا بَين الغالي والجافي فَاصْبِرُوا عَلَيْهَا رحمكم الله فان أهل السّنة كَانُوا أقل النَّاس فِيمَا بَقِي الَّذين لم يذهبوا مَعَ أهل الأتراف فِي اترافهم وَلَا مَعَ أهل الْبدع فِي بدعهم وصبروا على سنتهمْ حَتَّى لقوا رَبهم فَكَذَلِك إِن شَاءَ الله فكونوا
أخبرنَا مُحَمَّد بن عبينة عَن أبي اسحق الْفَزارِيّ عَن لَيْث بن أَيُّوب عَن ابْن سير بن قَالَ مَا أَخذ رجل ببدعة فراجع سنة
قَالَ أَحْمد بن عَليّ بن سعيد القَاضِي حَدثنَا عَليّ بن الْجَعْد أخبرنَا مبارك عَن الْحسن رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ عمل قَلِيل فِي سنة خير من عمل كثير فِي بدعه حَدثنَا ابْن أبي اسرائيل حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن هِشَام عَن الْحسن رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ لَا يقبل الله لصَاحب بِدعَة صوما وَلَا صَلَاة وَلَا حجَّة وَلَا عمْرَة حَتَّى يَدعهَا
1 / 16
حَدثنَا أبن أبي إِسْرَائِيل قَالَ حسان بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا مُحَمَّد بن مُسلم قَالَ من وقر صَاحب بِدعَة فقد أعَان على هدم الْإِسْلَام قَالَ أَبُو معشر سَأَلت إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن هَذِه الْأَهْوَاء فَقَالَ مَا جعل الله فِي شَيْء مِنْهَا مِثْقَال ذرة من خير مَا هِيَ إِلَّا نَزعَة من الشَّيْطَان عَلَيْك بِالْأَمر الأول
أخبرنَا غير وَاحِد إجَازَة عَن الْحَافِظ أبي طَاهِر السلَفِي وابي الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي قَالَا أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ الْحُسَيْن بن زَكَرِيَّا الطريثيثي المقريء قَالَ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن الْحسن بن مَنْصُور الطَّبَرِيّ فِي كتاب شرح الْحجَج أصُول اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة بِإِسْنَادِهِ أَن عبد الْملك ابْن مَرْوَان سَأَلَ غُضَيْف بن الْحَرْث عَن الْقَصَص وَرفع الْأَيْدِي على المنابر فَقَالَ غُضَيْف انهما لمن أَمْثَال مَا أحدثتم وَإِنِّي لَا اجيبك إِلَيْهِمَا لِأَنِّي حدثت ان رَسُول الله ﷺ قَالَ مَا من أمة تحدث فِي دينهَا بِدعَة إِلَّا أضاعت مثلهَا من السّنة والتمسك بِالسنةِ أحب الى من أَن أحدث بِدعَة وَفِيه عَن شبابه قَالَ حَدثنَا هِشَام بن الْغَاز عَن نَافِع عَن عمر رضى الله عَنْهُمَا قَالَ كل بِدعَة ضَلَالَة وَإِن رَآهَا النَّاس حَسَنَة
٢
- فصل فِي إِنْكَار الْمُنكر وإحياء السّنَن وإماتة الْبدع
وَمن اتِّبَاع سنة رَسُول الله ﷺ وَسنة خلفائه الرَّاشِدين رضى الله عَنْهُم إِنْكَار الْمُنكر وإحياء السّنَن وإماتة الْبدع فَفِي ذَلِك أفضل أجر وأجمل ذكر
فَفِي حَدِيث كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف الْمُزنِيّ عَن أَبِيه عَن جده رضى الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي ﷺ قَالَ من أَحْيَا سنة من سنتي قد أميتت بعدِي كَانَ لَهُ من الْأجر مثل من عمل بهَا من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْئا وَمن ابتدع بِدعَة ضَلَالَة لَا يرضاها الله وَلَا رسلوه كَانَ عَلَيْهِ من الْإِثْم مثل آثام من عمل بهَا لَا ينقص ذَلِك من أوزار النَّاس شَيْئا أخرجه ابْن ماجة والتزمذي وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن
1 / 17
وَأخرج الدَّارمِيّ وَأَبُو دَاوُد نَحوه من حَدِيث أبي هريره فَقَالَ الدَّارمِيّ أخبرنَا الْوَلِيد بن شُجَاع حَدثنَا اسماعيل بن جَعْفَر عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن ابْن يَعْقُوب مولى الْخِرْقَة عَن أبي هريره رضى الله عَنهُ ان رَسُول الله ﷺ قَالَ من دعى الى هدى كَانَ لَهُ من الْأجر مثل أجور من تبعه لَا ينقص ذَلِك من أُجُورهم شَيْئا وَمن دعى الى ضَلَالَة كَانَ عَلَيْهِ من الْإِثْم مثل آثام من تبعه لَا ينقص ذَلِك من آثامهم شَيْئا
أخبرنَا عَليّ بن حجر أخبرنَا يزِيد بن هَارُون أخبرنَا الْعَوام بن حَوْشَب عَن عِيسَى الشَّيْبَانِيّ حَدثنَا الْقَاسِم بن عَوْف الشَّيْبَانِيّ عَن أبي ذَر رضى الله عَنهُ أمرنَا رَسُول الله ﷺ أَن لَا تغلبُوا على ثَلَاث أَن تأمروا بِالْمَعْرُوفِ واتنهوا عَن الْمُنكر وتعلموا النَّاس السّنَن
أخبرنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أبي أَسمَاء عَن ثَوْبَان رضى الله عَنهُ عَن النَّبِي ﷺ قَالَ إِنَّمَا أَخَاف على أمتِي الْأَئِمَّة المضلين
أخبرنَا مُحَمَّد بن الصَّلْت حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن أَخ لعدي ابْن أَرْطَاة عَن ابي الدَّرْدَاء رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ أَن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم الآئمة المضلون
وَأخرج الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْمدْخل من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ الْقَائِم بِسنتي عِنْد فَسَاد أمتِي لَهُ أجر مائَة شَهِيد جعلنَا الله من القائمين بسنته عِنْد فَسَاد أمته وأعاننا على ردع من ابتدع وأصر وتذكير من سَهَا وَاسْتمرّ وَالْأَمر بالاتباع لمن أنكر واجتنب ومساعدته فِي فعل مَا وَجب خلافًا لمن أنكر حَقه وَجحد وعارضه فِيمَا لَهُ قصد وسلك طَرِيقه من أسر خلاف مَا أعلن وسبيل الَّذين يجادلون فِي الْحق بَعْدَمَا تبين اتبَاعا للهوى وَقد خَابَ من افترى وقصدنا بذلك امْتِثَال أَمر الْمُصْطَفى ﷺ فِيمَا أَمر بِهِ من النَّصِيحَة والنصرة
1 / 18
الصَّحِيحَة فقد صَحَّ عَنهُ من حَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ أَن الدّين النَّصِيحَة ثَلَاث مَرَّات قَالُوا لمن يَا رَسُول الله قَالَ لله ولكتابه ولرسله ولأئمة الْمُؤمنِينَ وعامتهم
وَمن حَدِيث ثَوْبَان قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي على الْحق طاهرين لَا يضرهم من خذلهم حَتَّى يَأْتِي أَمر الله وَمن حَدِيث أنس رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ أنْصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما مَا قيل يَا رَسُول الله نصرته مَظْلُوما فَكيف أنصره طالما فَقَالَ تكفه عَن الظُّلم فَذَلِك نصرك إِيَّاه
٣ - فصل فِي معنى وأصل الْبِدْعَة
وَقد صنف الإِمَام الشَّيْخ الزَّاهِد أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْوَلِيد الفِهري الطرطوشي ﵀ كتابا ذكر فِيهِ جملا من بدع الْأُمُور ومحدثاتها الَّتِي لَيْسَ لَهَا أصل فِي كتاب وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع وَلَا غَيره وَهُوَ كتاب حسن مشحون بالفوائد على صغره أخبرنَا بِهِ شَيخنَا العلامه أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْهَمدَانِي قِرَاءَة مني عَلَيْهِ قَالَ أَنبأَنَا بِهِ الإِمَام أَبُو الطَّاهِر أسماعيل بن مكي بن عَوْف مفتي الأسكندرية عَنهُ وسننقل مِنْهُ الى هَذَا الْكتاب جمله من قوائده فِي موَاضعهَا
وَذكر فِي أَوله فصلا فِي معنى لفظ الْبِدْعَة قَالَ فَإِن قيل مَا معنى أصل الْبِدْعَة قُلْنَا أصل هَذِه الْكَلِمَة من الآختراع وَهُوَ الشَّيْء يحدث من غير أصل سبق وَلَا مِثَال احتذى وَلَا ألف مثله وَمِنْه قَوْلهم أبدع الله الْخلق أَي خلقهمْ ابْتِدَاء وَمِنْه قَوْله تَعَالَى ﴿بديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ الْبَقَرَة آيَة ١١٧ وَقَوله ﴿قل مَا كنت بدعا من الرُّسُل﴾ الْأَحْقَاف آيَة ٩ أَي لم أكن أول رَسُول الى أهل الآض قَالَ وَهَذَا الأسم يدْخل فِيمَا تخترع الْقُلُوب وَفِيمَا تنطق بِهِ الْأَلْسِنَة وَفِيمَا
1 / 19
تَفْعَلهُ الْجَوَارِح وَالدَّلِيل على هَذَا مَا سَنذكرُهُ فِي أَعْيَان الْحَوَادِث من تَسْمِيَة الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم وكافة الْعلمَاء بدعا للأقوال وَالْأَفْعَال
قلت وَقد غلب لفظ الْبِدْعَة على الْحَدث الْمَكْرُوه فِي الدّين مهما أطلق هَذَا اللَّفْظ وَمثله لفظ المبتدع لَا يكَاد يسْتَعْمل إِلَّا فِي الذَّم وَأما من حَيْثُ أصل الِاشْتِقَاق فَإِنَّهُ يُقَال ذَلِك فِي الْمَدْح والذم المُرَاد أَنه شَيْء مخترع على غير مِثَال سبق وَلِهَذَا يُقَال فِي الشَّيْء الْفَائِق جمالا وجوده مَا هُوَ إِلَّا بِدعَة وَقَالَ الْجَوْهَرِي فِي كتاب صِحَاح اللُّغَة والبديع والمبتدع ايضا والبدعة الْحَدث فِي الدّين بعد الْإِكْمَال
قلت وَهُوَ مَا لم يكن فِي عصر النَّبِي ﷺ مِمَّا فعله أَو أقرّ عَلَيْهِ أَو علم مَعَ قَوَاعِد شَرِيعَته الْإِذْن فِيهِ وَعدم النكير عَلَيْهِ نَحْو مَا سنشرحه فِي الْفَصْل الْآتِي عقيب هَذَا الْفَصْل وَفِي معنى ذَلِك مَا كَانَ فِي عصر الصحابه رضى الله عَنْهُم مِمَّا أَجمعُوا عَلَيْهِ قولا أَو فعلا أَو تقريرا وَكَذَلِكَ مَا اخْتلفُوا فِيهِ فَإِن أختلافهم فِيهِ رَحمَه مهما كَانَ للِاجْتِهَاد والتردد مساغ وَلَيْسَ لغَيرهم إِلَّا إلاتباع دون الإبتداع وَمَا أحسن مَا قَالَه إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ ﵀ عَلَيْهِ مَا أَعْطَاكُم الله خيرا أخبيء عَنْهُم وهم أَصْحَاب رَسُوله وَخيرته من خلقه أَشَارَ بذلك الى ترك الغلو فِي الدّين والى الِاقْتِدَاء بالسلف الصَّالِحين وَقد قَالَ الله تَعَالَى ﴿يَا أهل الْكتاب لَا تغلوا فِي دينكُمْ وَلَا تَقولُوا على الله إِلَّا الْحق﴾
فَكل من فعل أمرا موهما أَنه مَشْرُوع وَلَيْسَ كَذَلِك فَهُوَ غال فِي دينه
1 / 20
مُبْتَدع فِيهِ قَائِل على الله غير الْحق بِلِسَان مقاله أَو لِسَان حَاله (ومثاله) مَا رَوَاهُ مَالك بن أنس فِي الْمُوَطَّأ عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ عَن ربيعَة بن عبد الله بن الْهُذيْل أَنه رأى رجلا مُجَردا بالعراق فَسَأَلَ عَنهُ النَّاس فَقيل أَنه أَمر بهديه أَن يُقَلّد فَلذَلِك تجرد قَالَ ربيعَة فَلَقِيت عبد الله بن الزبير فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ بِدعَة وَرب الْكَعْبَة
قلت قوصف ذَلِك عبد الله بِأَنَّهُ بِدعَة لما كَانَ موهما أَنه من الدّين لِأَنَّهُ قد ثَبت أَن التجرد مَشْرُوع فِي الْإِحْرَام بنسك الْحَج وَالْعمْرَة فَإِذا فعل فِي غير ذَلِك أوهم من لَا يعلم من الْعَوام أَنه مَشْرُوع فِي هَذِه الْحَالة الْأُخْرَى لِأَنَّهُ قد ثَبت شرعته فِي صُورَة فَرُبمَا يقْتَدى بِهِ فيتفاقم الْأَمر فِي أنتشار ذَلِك ويعسر الْفِطَام عَنهُ كَمَا قد وَقع فِي غَيره من الْبدع على مَا يَأْتِي فِي كتاب الْجَامِع لأبي بكر الْخلال
حَدثنَا مُوسَى بن مُحَمَّد الزبيرِي ثَنَا الزبير ثَنَا مُحَمَّد بن الضَّحَّاك وَغَيره أَن رجلا جَاءَ الى مَالك بن أنس فَقَالَ من أَيْن احرم فَقَالَ من الْمِيقَات الَّذِي وَقت رَسُول الله ﷺ وَأحرم مِنْهُ فَقَالَ الرجل فَإِن أَحرمت من أبعد مِنْهُ فَقَالَ مَالك لَا أرى ذَلِك فَقَالَ مَا تكره من ذَلِك قَالَ أكره عَلَيْك الْفِتْنَة قَالَ وَأي فتْنَة فِي ازدياد الْخَيْر فَقَالَ مَالك فَإِن الله تَعَالَى يَقُول ﴿فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم﴾ سُورَة النُّور أَيَّة ٦٣ وَأي فتْنَة أكبر من من أَنَّك خصصت بِفضل لم يخْتَص بِهِ رَسُول الله ﷺ وَفِي رِوَايَة أَن رجلا قَالَ لمَالِك بن أنس من أَيْن أحرم قَالَ من حَيْثُ أحرم رَسُول الله ﷺ فَأَعَادَ عَلَيْهِ مرَارًا قَالَ فَإِن زِدْت على ذَلِك قَالَ فَلَا تفعل فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْك الْفِتْنَة قَالَ وَمَا فِي هَذِه من الْفِتْنَة إِنَّمَا هِيَ أَمْيَال أزيدها قَالَ فَإِن الله تَعَالَى يَقُول ﴿فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره﴾ الْآيَة قَالَ وَأي فتْنَة فِي هَذَا قَالَ مَالك وَأي فتْنَة أعظم من أَن ترى
1 / 21
أَن اختيارك لنَفسك خير من اخْتِيَار الله وَرَسُوله وَحَيْثُ جَاءَ الْأَمر بِلُزُوم الْجَمَاعَة فَالْمُرَاد بِهِ لُزُوم الْحق واتباعة وان كَانَ المتمسك بِالْحَقِّ قَلِيلا والمخالف كثيرا لِأَن الْحق الَّذِي كَانَت عَلَيْهِ الْجَمَاعَة الأولى من النَّبِي ﷺ وَأَصْحَابه رضى الله عَنْهُم وَلَا نظر الى كَثْرَة أهل الْبَاطِل بعدهمْ
قَالَ عمر بن مَيْمُون الأودي صَحِبت معَاذًا بِالْيمن فَمَا فارقته حَتَّى واريته بِالتُّرَابِ بِالشَّام ثمَّ صَحِبت بعده أفقه النَّاس عبد الله بن مَسْعُود فَسَمعته يَقُول عَلَيْكُم بِالْجَمَاعَة فَإِن يَد الله على الْجَمَاعَة ثمَّ سمعته يَوْمًا من الْأَيَّام وَهُوَ يَقُول سيلى عَلَيْكُم وُلَاة يؤخرون الصَّلَاة عَن مواقيتها فصلوا الصَّلَاة لميقاتها فَهِيَ الْفَرِيضَة وصل مَعَهم فَإِنَّهَا لَك نَافِلَة قَالَ قلت يَا أَصْحَاب مُحَمَّد مَا أدرى مَا تحدثون قَالَ وَمَا ذَاك قلت تَأْمُرنِي بِالْجَمَاعَة وتحضني عَلَيْهَا ثمَّ تَقول لي صل الصَّلَاة وَحدك وَهِي الْفَرِيضَة وصل مَعَ الْجَمَاعَة وَهِي نَافِلَة قَالَ يَا عَمْرو بن مَيْمُون قد كنت أَظُنك من أفقه أهل هَذِه الْقرْيَة تَدْرِي مَا الْجَمَاعَة قلت لَا قَالَ ان جُمْهُور النَّاس فارقوا الْجَمَاعَة وَأَن الْجَمَاعَة مَا وَافق الْحق وَأَن كنت وَحدك وَفِي رِوَايَة فَقَالَ ابْن مَسْعُود وَضرب على فَخذي وَيحك أَن جُمْهُور النَّاس فارقوا الْجَمَاعَة وَأَن الْجَمَاعَة مَا وَافق طَاعَة الله تَعَالَى قَالَ نعيم ابْن حَمَّاد يَعْنِي إِذا فَسدتْ الْجَمَاعَة فَعَلَيْك بِمَا كَانَت عَلَيْهِ الْجَمَاعَة قبل أَن تفْسد وَأَن كنت وَحدك فَإنَّك أَنْت الْجَمَاعَة حِينَئِذٍ أخرجه الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب الْمدْخل
٤ - فصل فِي تَقْسِيم الْحَوَادِث الى بدع مستحسنة والى بدع مستقبحة
ثمَّ الْحَوَادِث منقسمة الى بدع مستحسنة والى بدع مستقبحة قَالَ حَرْمَلَة ابْن يحيى سَمِعت الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول الْبِدْعَة بدعتان بِدعَة محمودة وبدعة مذمومة فَمَا وَافق السّنة فَهُوَ مَحْمُود وَمَا خَالف السّنة فَهُوَ مَذْمُوم وَاحْتج
1 / 22
يَقُول عمر رضى الله عَنهُ فِي قيام رَمَضَان نعمت الْبِدْعَة وَقَالَ الرّبيع قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى المحدثات من الْأُمُور ضَرْبَان أَحدهمَا مَا أحدث يُخَالف كتابا أَو سنة أَو اجماعا أَو أثرا فَهَذِهِ الْبِدْعَة الضَّلَالَة وَالثَّانِي مَا أحدث من الْخَيْر لَا خلاف فِيهِ لوَاحِد من هَذَا فَهِيَ محدثة غير مذمومة وَقد قَالَ عمر رضى الله عَنهُ فِي قيام شهر رَمَضَان نعمت الْبِدْعَة هَذِه يَعْنِي إِنَّهَا محدثة لم تكن وَإِذا كَانَت فَلَيْسَ فِيهَا رد لما مضى
قلت وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَن النَّبِي ﷺ حث على قيام شهر رَمَضَان وَفعله ﷺ فِي الْمَسْجِد واقتدى فِيهِ بعض الصَّحَابَة لَيْلَة بعد أُخْرَى ثمَّ ترك النَّبِي ﷺ ذَلِك بِأَنَّهُ خشى أَن يفْرض عَلَيْهِم فَلَمَّا قبض النَّبِي ﷺ أَمن ذَلِك فاتفق الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم على فعل قيام رَمَضَان فِي الْمَسْجِد جمَاعَة لما فِيهِ من أَحيَاء هَذَا الشعار الَّذِي أَمر بِهِ الشَّارِع وَفعله وحث عَلَيْهِ وَرغب فِيهِ وَالله أعلم
فالبدع الْحَسَنَة مُتَّفق على جَوَاز فعلهَا والآستحباب لَهَا ورجاء الثَّوَاب لمن حسنت نِيَّته فِيهَا وَهِي كل مُبْتَدع مُوَافق لقواعد الشَّرِيعَة غير مُخَالف لشَيْء مِنْهَا وَلَا يلْزم من فعله مَحْذُور شَرْعِي وَذَلِكَ نَحْو بِنَاء المنابر والربط والمدارس وخانات السَّبِيل وَغير ذَلِك من أَنْوَاع الْبر الَّتِي لم تعد فِي الصَّدْر الأول فَإِنَّهُ مُوَافق لما جَاءَت بِهِ الشَّرِيعَة من اصطناع الْمَعْرُوف والمعاونة على الْبر وَالتَّقوى
وَمن أحسن مَا ابتدع فِي زَمَاننَا من هَذَا الْقَبِيل مَا كَانَ يفعل بِمَدِينَة اربل جبرها الله تَعَالَى كل عَام فِي الْيَوْم الْمُوَافق ليَوْم مولد النَّبِي ﷺ من الصَّدقَات وَالْمَعْرُوف واظهار الزِّينَة وَالسُّرُور فان ذَلِك مَعَ مَا فِيهِ من الاحسان الى الْفُقَرَاء مشْعر بمحبة النَّبِي ﷺ وتعظيمه وجلالته فِي قلب فَاعله وشكرا لله تَعَالَى على مَا من بِهِ من ايجاد رَسُوله الَّذِي أرْسلهُ رَحْمَة
1 / 23
للْعَالمين ﷺ وعَلى جَمِيع الْمُرْسلين وَكَانَ أول من فعل ذَلِك يالموصل الشَّيْخ عمر بن مُحَمَّد الملا أحد الصَّالِحين الْمَشْهُورين وَبِه اقْتدى فِي ذَلِك صَاحب أربل وَغَيره رَحِمهم الله تَعَالَى
وَمِمَّا يعد أَيْضا من الْبدع الْحَسَنَة التصانيف فِي جَمِيع الْعُلُوم النافعة الشَّرْعِيَّة على اخْتِلَاف فنونها وَتَقْرِير قواعدها وتقيسمها وتقريرها وَتَعْلِيمهَا وَكَثْرَة التفريعات وَفرض الْمسَائِل الَّتِي لم تقع وَتَحْقِيق الْأَجْوِبَة فِيهَا وَتَفْسِير الْكتاب الْعَزِيز وأخبار النُّبُوَّة وَالْكَلَام على الاسانيد والمتون وتتبع كَلَام الْعَرَب نثره ونظمه وَتَدْوِين كل ذَلِك واستخراج عُلُوم جمة مِنْهُ كالنحو والمعاني وَالْبَيَان والآوزان فَذَلِك وَمَا شا كُله مَعْلُوم حَسَنَة ظَاهره فَائِدَته معِين على معرفَة أَحْكَام الله تَعَالَى وَفهم مَعَاني كِتَابه وَسنة رَسُول الله ﷺ وكل ذَلِك مَأْمُور بِهِ وَلَا يلْزم من فعله مَحْذُور شَرْعِي
وَقد قَالَ الامام أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح قَوْله ﷺ كل محدثة بِدعَة هَذَا خَاص فِي بعض الْأُمُور دون بعض وَهِي شَيْء أحدث على غير مِثَال أصل من أصُول الدّين وعَلى غير عِبَادَته وَقِيَاسه وَأما مَا كَانَ مِنْهَا مَبْنِيا على قَوَاعِد الْأُصُول ومردودا اليها فَلَيْسَ بِدعَة وَلَا ضَلَالَة وَالله أعلم
قلت وَمن هَذَا الْبَاب اقراره ﷺ بِلَالًا رضى الله عَنهُ على صلَاته رَكْعَتَيْنِ بعد كل وضوء وان كَانَ هُوَ ﷺ لم يشرع خُصُوصِيَّة ذَلِك بقول وَلَا فعل وَذَلِكَ لِأَن بَاب التَّطَوُّع بِالصَّلَاةِ مَفْتُوح إِلَّا
1 / 24
فِي الْأَوْقَات المكروهه وَمن ذَلِك اقراره ﷺ الصَّحَابِيّ الآخر على مُلَازمَة قِرَاءَة ﴿قل هُوَ الله أحد﴾ دون غَيرهَا من السُّور
وَأما الْبدع المستقبحة فَهِيَ الَّتِي أردنَا نَفيهَا بِهَذَا الْكتاب وانكارها وَهِي كل مَا كَانَ مُخَالفا للشريعة أَو مُلْتَزما لمخالفتها وَذَلِكَ منقسم الى محرم ومكروه وَيخْتَلف ذَلِك بإختلاف الوقائع وبحسب مَا بِهِ من مُخَالفَة الشَّرِيعَة تَارَة يَنْتَهِي ذَلِك الى مَا يُوجب التَّحْرِيم وَتارَة لَا يتَجَاوَز صفة كَرَاهَة التَّنْزِيه وكل فَقِيه موفق يتَمَكَّن بعون الله من التَّمْيِيز بَين الْقسمَيْنِ مهما رسخت قدمه فِي إيمانة وَعلمه
٥ - فصل فِي تَقْسِيم الْبدع المستقبحة
ثمَّ هَذِه الْبدع المستقبحة والمحدثات تَنْقَسِم قسمَيْنِ قسم تعرف الْعَامَّة والخاصة أَنه بِدعَة إِمَّا مُحرمَة وَإِمَّا مَكْرُوهَة وَقسم يَظُنّهُ معظمهم إِلَّا من عصم عبادات وقربا وطاعات وسننا
فاما فالقسم الأول فَلَا نطيل بِذكرِهِ إِذْ قد كفينا مُؤنَة الْكَلَام فِيهِ لاعتراف فَاعله انه لَيْسَ من الدّين لَكِن نبين من هَذَا الْقسم مِمَّا وَقع فِيهِ جمَاعَة من جهال الْعَوام النابذين لشريعة الاسلام التاركين الْأَئِمَّة الدّين وَالْفُقَهَاء وَهُوَ مَا يَفْعَله طوائف من المنتمين الى الْفقر الَّذِي حَقِيقَته الإفتقار من الآيمان من مؤاخاة النِّسَاء الْأَجَانِب وَالْخلْوَة بِهن واعتقادهم فِي مَشَايِخ لَهُم ضَالِّينَ ممضلين يَأْكُلُون فِي نَهَار رَمَضَان من غير عذر ويتركون الصَّلَاة ويخامرون النجسات غير مكترثين لذَلِك فهم داخلون تَحت قَوْله تَعَالَى ﴿أم لَهُم شُرَكَاء شرعوا لَهُم من الدّين مَا لم يَأْذَن بِهِ الله﴾ الشورى آيَة ٢١
وبهذه الطّرق وأمثالها كَانَ مبادىء ظُهُور الْكفْر من عبَادَة الْأَصْنَام وَغَيرهَا وَمن هَذَا الْقسم أَيْضا مَا قد عَم الإبتلاء بِهِ من تَزْيِين الشَّيْطَان للعامة
1 / 25
تخليق الْحِيطَان والعمد وسرح مَوَاضِع مخصومة فِي كل بلد يحْكى لَهُم حاك أَنه رأى فِي مَنَامه بهَا أحدا مِمَّن اشْتهر بالصلاح وَالْولَايَة فيفعلون ذَلِك ويحافظون عَلَيْهِ مَعَ تضييعهم فَرَائض الله تَعَالَى وسننه ويظنون أَنهم متقربون بذلك ثمَّ يتجاوزون هَذَا الى أَن يعظم وَقع تِلْكَ الْأَمَاكِن فِي قُلُوبهم فيعظمونها ويرجون الشِّفَاء لمرضاهم وَقَضَاء حوائجهم بِالنذرِ لَهُم وَهِي من بَين عُيُون وَشَجر وحائط وَحجر
وَفِي مَدِينَة دمشق صانها الله تَعَالَى من ذَلِك مَوَاضِع مُتعَدِّدَة كعوينة الْحمى خَارج بَاب توما والعمود المخلق دَاخل بَاب الصَّغِير والشجرة الملعونة الْيَابِسَة خَارج بَاب النَّصْر فِي نفس قَارِعَة الطَّرِيق سهل الله قطعهَا واجتثاثها من أَصْلهَا فَمَا أشببها بِذَات أنواط الْوَارِدَة فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَق وسُفْيَان بن عبينة عَن الزُّهْرِيّ عَن سِنَان بن سِنَان عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله ﷺ الى حنين وَكَانَت لقريش شَجَرَة خضراء عظيمه يأتونها كل سنة فيعلقون عَلَيْهَا سِلَاحهمْ ويعكفون عِنْدهَا ويذبحون لَهَا وَفِي رِوَايَة خرجنَا مَعَ النَّبِي ﷺ قبل حنين وَنحن حديثو عهد بِكفْر وللمشركين سِدْرَة يعكفون عِنْدهَا وينوطون بهَا أسلحتهم يُقَال لَهَا ذَات أنواط فمررنا بسدرة فَقُلْنَا يَا رَسُول الله وَفِي الرِّوَايَة الأولى وَكَانَت تسمى ذَات نواط فمررنا بسدرة بشجرة عَظِيمَة خضراء فتنادينا من جنبتي الطَّرِيق وَنحن نسير الى حنين يَا رَسُول الله أجعَل لنا ذَات أنواط كَمَا لَهُم ذَات أنواط فَقَالَ النَّبِي ﷺ الله أكبر هَذَا كَمَا قَالَ فوم مُوسَى لمُوسَى اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلهه قَالَ إِنَّكُم قوم تجهلون لتزكبن سنَن من كَانَ قبلكُمْ أخرجه التزمذي بِلَفْظ آخر وَالْمعْنَى وَاحِد وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح
قَالَ الإِمَام أَبُو بكر الطرطوسي رَحمَه الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْمُتَقَدّم ذكره فانظروا رحمكم الله أَيْنَمَا وجدْتُم سِدْرَة أَو شَجَرَة يقصدها النَّاس ويعظمون من
1 / 26
شَأْنهَا ويرجون الْبُرْء والشفاء من قبلهَا وينوطون بهَا المسامير والخرق فاقطعوها فَهِيَ ذَات أنواط
قلت وَلَقَد أعجبني مَا صنعه الشَّيْخ أَبُو اسحق الجبيناني رَحمَه الله تَعَالَى أحد الصَّالِحين بِبِلَاد إفريقية فِي الْمِائَة الرَّابِعَة حكى عَنهُ صَاحبه الصَّالح أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس الْمُؤَدب أَنه كَانَ الى جَانِبه عين تسمى عين العافيه كَانَت الْعَامَّة قد افتتنوا بهَا ياتونها من الْآفَاق من تعذر عَلَيْهَا نِكَاح أَو ولد قَالَت امضوا بِي الى الْعَافِيَة فتعرف بهَا الْفِتْنَة قَالَ أَبُو عبد الله فانا فِي السحر ذَات لَيْلَة اذ سَمِعت أَذَان اسحق نَحْوهَا فَخرجت فَوَجَدته قد هدمها وَأذن الصُّبْح عَلَيْهَا ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي هدمتها لَك فَلَا ترفع لَهَا رَأْسا قَالَ فَمَا رفع لَهَا رَأس الى الْآن
قلت وادهى من ذَلِك وَأمر إقدامهم على قطع الطَّرِيق السابلة يختزون فِي اُحْدُ الْأَبْوَاب الثَّلَاثَة الْقَدِيمَة العادية الَّتِي هِيَ من بِنَاء الْجِنّ فِي زمن نَبِي الله سُلَيْمَان بن دَاوُد ﵇ وَمن بِنَاء ذِي القرنين وَقيل فِيهَا غير ذَلِك مَا يُؤذن بالتقدم على مَا نَقَلْنَاهُ فِي كتاب تَارِيخ مَدِينَة دمشق حرسها الله تَعَالَى وَهُوَ الْبَاب الشمالي ذكر لَهُم بعض من لَا يَثِق بِهِ فِي شهور سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة أَنه رأى مناما يَقْتَضِي أَن ذَلِك الْمَكَان دفن فِيهِ بعض أهل الْبَيْت وَقد اخبرني عَنهُ ثِقَة أَنه اعْترف لَهُ انه افتعل ذَلِك فَقطعُوا طَرِيق الْمَارَّة فِيهِ وَجعلُوا الْبَاب بِكَمَالِهِ أصل مَسْجِد مفصوب وَقد كَانَ الطَّرِيق يضيق بسالكيه فتضاعف الضّيق والحرج على من دخل وَمن خرج ضاعف الله عَذَاب من تسبب فِي بنائِهِ واجزل ثَوَاب من أعَان على هَدمه وَإِزَالَة اعتدائه اتبَاعا لسنة النَّبِي ﷺ فِي هدم مَسْجِد الضرار المرصد لأعدائه من الْكفَّار فَلَنْ ينظر الشَّرْع الى كَونه مَسْجِدا وهدمه لما قصد بِهِ من السوء والردى
1 / 27
وَقَالَ الله تَعَالَى لنَبيه ﷺ ﴿لَا تقم فِيهِ أبدا﴾ التَّوْبَة آيَة ١٠٨
أسأَل الله الْكَرِيم معافاته من كل مَا يُخَالف رِضَاهُ وَألا يجعلنا مِمَّن أضلّهُ فَاتخذ إلهه هَوَاهُ
٦ - فصل فِي الْقسم الثَّانِي من الْبدع المشتبه أمره على النَّاس
وَأما الْقسم الثَّانِي الَّذِي يَظُنّهُ مُعظم النَّاس طَاعَة وقربة الى الله تَعَالَى وَهُوَ بِخِلَاف ذَلِك أَو تَركه أفضل من فعله فَهَذَا الَّذِي وضعت هَذَا الْكتاب لأَجله وَهُوَ مَا قد أَمر الشَّرْع بِهِ فِي صُورَة من الصُّور من زمَان مَخْصُوص أَو مَكَان معِين كَالصَّوْمِ بِالنَّهَارِ وَالطّواف بِالْكَعْبَةِ أَو أَمر بِهِ شخص دون غَيره كَالَّذي اخْتصَّ النَّبِي ﷺ من الْمُبَاحَات والتخفيفات فيقيس الْجَاهِل نَفسه عَلَيْهِ فيفعله وَهُوَ مَنْهِيّ عَن ذَلِك ويقيس الصُّور بَعْضهَا على بعض وَلَا يفرق بَين الْأَزْمِنَة والأمكنة وَيَقَع ذَلِك من بَعضهم بِسَبَب الْحِرْص على ألآثار من إِيقَاع الْعِبَادَات والقرب والطاعات فيحمهلم ذَلِك الْحِرْص على فعلهَا فِي أَوْقَات وأماكن نَهَاهُم الشَّرْع عَن اتِّخَاذ تِلْكَ الطَّاعَات فِيهَا
وَمِنْهَا مَا هُوَ محرم وَمِنْهَا مَا هُوَ مَكْرُوه ويورطهم الْجَهْل وتزيين الشَّيْطَان فِي أَن يَقُولُوا هَذِه طَاعَة قد ثبتَتْ فِي غير هَذِه الآوقات فَنحْن نفعلها أبدا
1 / 28