اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأبطل به ما كان من أمر الجاهلية مما أحدثه المؤتفكون، وحذر أمته من الاختلاف والبدع التي تقع بعده وتكون.
1- كما روينا في الحديث الصحيح المشهور في ((سنن أبي داود)) والترمذي وابن ماجه من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال:
وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. .. وفيه قال:
Shafi 67
((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. عضوا عليها بالنواجذ)).
اللفظ للترمذي. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه ابن حبان في ((صحيحه))، والحاكم في ((المستدرك)) وصححه.
فكان مما أحدث بعده صلى الله عليه وسلم ما أحدثه القصاص بعده مما أنكره جماعة من الصحابة عليهم، كما سيأتي.
2- وروينا في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).
Shafi 68
3- وروينا في ((سنن ابن ماجه)) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: لم يكن القص في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زمن أبي بكر ولا زمن عمر رضي الله عنهما.
وإسناده حسن.
4- وروينا في ((مسند الإمام أحمد)) و((المعجم الكبير)) للطبراني من حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه قال:
إنه لم يكن يقص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زمن أبي بكر.
زاد الطبراني: ولا [زمن] عمر حتى كان أول من قص تميما الداري، استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقص على الناس قائما فأذن له.
Shafi 69
وإسناده جيد، فيه بقية بن الوليد وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد فزالت تهمة تدليسه.
وكان تميم استأذنه مرات، فلم يأذن له، وأشار له إلى ذم ذلك:
5- كما رويناه في ((المعجم الكبير)) للطبراني من رواية عمرو بن دينار أن تميما الداري استأذن عمر رضي الله عنه في القصص، فأبى أن يأذن له، ثم استأذنه فأبى أن يأذن له، ثم استأذنه فقال: إن شئت. وأشار بيده -يعني الذبح- ورجال إسناده ثقات.
فانظر -رضي الله عنك- توقف عمر في إذنه في حق رجل من الصحابة الذين كل واحد منهم عدل مؤتمن.
وأين مثل تميم في التابعين ومن بعدهم؟
Shafi 70
وهذا يدل على أنه ليس لآحاد الرعية أن يقص إلا بإذن من ولي أمور المسلمين إن كان يعلم من يصلح لذلك، [كالخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز، وإن كان متولي أمور الناس لا يعلم من يصلح لذلك] فيكون ذلك بإذن من أقامه لذلك من الحكام والعلماء.
وروينا في عدة أحاديث: ((لا يقص إلا أمير أو مأمور)) ومن عدا هذين فهو إما مراء أو مختال أو متكلف كما ستراه في الأحاديث الآتية:
6- فروينا في ((سنن ابن ماجه)) من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور أو مراء)).
وإسناده صحيح.
Shafi 71
وقد حكى الترمذي عن البخاري قال: رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فمن الناس بعدهم؟
7- وروينا في ((سنن أبي داود)) بإسناد جيد من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال)).
وسكت عليه أبو داود، فهو عنده صالح.
Shafi 72
8- وروينا في ((المعجم الكبير)) للطبراني من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((لا يقص إلا أمير أو مأمور أو متكلف)).
9- وروينا فيه أيضا من حديث كعب بن عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((القصاص ثلاثة: أمير، أو مأمور، أو مختال)).
وإسناده جيد.
10- وروينا في ((مسند أحمد )) من رواية عبد الجبار الخولاني قال: دخل [رجل] من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا كعب يقص.
قال: من هذا؟
قالوا: كعب يقص.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((لا يقص إلا أمير [أو مأمور] أو مختال)).
Shafi 73
قال: فبلغ ذلك كعبا، فما رئي يقص بعد.
11- وروينا في المجلس الخامس عشر من ((أمالي أبي عبد الله بن منده)) من رواية عمر بن ذر عن مجاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((لا يقص في مسجدي هذا إلا أمير أو مأمور أو متكلف)).
قال ابن منده: هذا حديث غريب من حديث عمر بن ذر تفرد به خالد بن عبد الرحمن.
قلت: وخالد بن عبد الرحمن هذا هو الخراساني، وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي.
ومما يدل على أن القصاص الذين هم أهل لذلك ليس لهم الكلام على الناس إلا بإذن ولاة الأمر قصة معاوية مع قاص مكة:
12- كما رويناه في ((المستدرك)) للحاكم أبي عبد الله النيسابوري من رواية أبي عامر عبد الله بن لحي قال:
Shafi 74
حججنا مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، فلما قدمنا مكة أخبر بقاص يقص على أهل مكة، مولى لبني فروخ، فأرسل إليه فقال: أمرت بهذا القص؟!
- قال: لا.
- قال: فما حملك على أن تقص بغير إذن؟
- قال: ننشر علما علمناه الله عز وجل.
- فقال معاوية: لو كنت تقدمت إليك لقطعت منك طائفة.
ثم قام حين صلى الظهر بمكة فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :
((إن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة. وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، ويخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله)).
والله، يا معشر العرب! لئن لم تقوموا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لغير ذلك أحرى أن لا تقوموا به.
قال الحاكم: هذه أسانيد تقوم بها الحجة في تصحيح هذا الحديث.
Shafi 75
وأشار الحاكم بهذه الأسانيد إلى حديث أبي هريرة رواه بإسنادين، وإلى حديث معاوية، وكلاهما في السنن.
فحديث معاوية أخرجه أبو داود من طريقين مختصرا ومطولا بالمرفوع فقط دون قصة معاوية مع القاص:
فالمختصر إلى آخر قوله: ((وهي الجماعة)).
والمطول إلى آخر قوله ((إلا دخله)) دون ذكر قسم معاوية في آخر الحديث.
وسكت عليه أبو داود فهو عنده صالح.
13- وحديث أبي هريرة أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه من رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)).
Shafi 76
لفظ الترمذي، وقال: حدث حسن صحيح.
14- وروينا في كتاب الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك. وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة)).
قالوا: من هي يا رسول الله؟
قال: ((ما أنا عليه وأصحابي)).
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب مفسر، لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه.
Shafi 77
15- وروينا في ((سنن ابن ماجه)) بإسناد حسن من رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((لتتبعن سنة من كان قبلكم باعا بباع، وذراعا بذراع، وشبرا بشبر، حتى لو دخلوا في جحر ضب لدخلتم فيه)).
قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟
قال: ((فمن إذا؟)).
16- وروينا في ((سنن ابن ماجه)) أيضا بإسناد صحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)).
17- وروينا في ((سنن ابن ماجه)) أيضا بإسناد جيد من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
Shafi 78
((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار. وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة. والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار)).
قيل: يا رسول الله! من هم؟
قال: ((الجماعة)).
18- وروينا في ((المستدرك)) للحاكم من رواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال:
كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده فقال:
Shafi 79
((لتسلكن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل ولتأخذن بمثل أخذهم، إن شبرا فشبر، وإن ذراعا فذراع، وإن باعا فباع؛ حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتم فيه. ألا إن بني إسرائيل افترقت على موسى على سبعين فرقة، كلها ضالة إلا فرقة واحدة: الإسلام وجماعتهم وإنها افترقت على عيسى بن مريم على إحدى وسبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة: الإسلام وجماعتهم. ثم إنكم تكونون على اثنتين وسبعين فرقة. كلها ضالة إلا فرقة واحدة: الإسلام وجماعتهم)).
قال الحاكم: كثير بن عبد الله لا تقوم به الحجة.
قلت: وهو إن ضعفوه فقد حسن له البخاري والترمذي حديث ((التكبير في العيدين: في الأولى سبعا .. .. ) الحديث. وحسن له الترمذي حديثه في ((ساعة الجمعة)).
Shafi 80
وصحح له الترمذي حديث ((الصلح جائز بين المسلمين .. .. )) وإنما ذكرته استشهادا.
وقد أشار معاوية إلى تشبيه القصاص من هذه الأمة بافتراق بني إسرائيل.
وقد ورد في حديث مرفوع أن بني إسرائيل قصوا، وكان ذلك سبب هلاكهم.
19- رويناه في ((المعجم الكبير)) للطبراني من حديث خباب بن الأرت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا)).
Shafi 81
وقد أشار عمر إلى تميم لما سأله أن يقص بأنه الذبح، لما يخشى عليه من الترفع عليهم والإعجاب.
20- كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لمن مدح غيره:
((قطعت عنق صاحبك)).
وقد ورد في حديث [مرفوع] أنه يخشى على القاص من المقت.
21- رويناه في ((المعجم الكبير)) للطبراني من رواية مجاهد عن العبادلة: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((القاص ينتظر المقت .. .. )) الحديث.
Shafi 82
وهذا الحديث لا يصح، وإنما ذكرته للترهيب، فإن شيخ الطبراني فيه عبد الله بن أيوب القربي الضرير. قال الدارقطني: متروك.
وفي الأحاديث المتقدمة الصحيحة كفاية في ذلك.
وأما إنكار الصحابة لذلك فورد ذلك عن ابن مسعود، وابن عمر، وعمر بن الخطاب، ومعاوية، كما تقدم عنهما. وصلة بن الحارث وأنس بن مالك:
22- فروينا في ((المعجم الكبير)) للطبراني عن عمرو بن زرارة قال: وقف علي عبد الله وأنا أقص. فقال لي:
يا عمرو! لقد ابتدعت بدعة ضلالة أو إنك لأهدى من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
Shafi 83
قال عمرو بن زرارة: فلقد رأيتهم تفرقوا عني حتى رأيت مكاني ما فيه أحد.
23- وروينا في ((المعجم الكبير)) للطبراني أيضا من رواية يحيى البكاء قال: رأى ابن عمر قاصا يقص
في المسجد الحرام، ومع ابن له.
فقال له ابنه: أي شيء يقول هذا؟
قال: هذا يقول: اعرفوني اعرفوني.
24- وروينا في ((المعجم الكبير)) له من رواية سعيد بن عبد الرحمن الغفاري أن سليم بن عتر التجيبي كان يقص على الناس وهو قائم، فقال له صلة بن الحارث الغفاري وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :
Shafi 84
والله ما تركنا عهد نبينا، ولا قطعنا أرحامنا حتى قمت أنت وأصحابك بين أظهرنا.
25- وروينا في ((مسند أبي يعلى الموصلي)) من رواية جعفر بن ميمون قال: حدثنا الرقاشي قال:
كان أنس مما يقول لنا إذا حدثنا هذا الحديث -يريد حديث: ((لأن أقعد مع قوم يذكرون الله.. .. )) الحديث-: إنه والله ما هو بالذي تصنع أنت وأصحابك.
Shafi 85
يعني: يقعد أحدكم فتجتمعون حوله فيخطب، إنما كانوا إذا صلوا الغداة قعدوا حلقا حلقا يقرؤون القرآن ويتعلمون الفرائض والسنن.
26- وقد روى أبو داود المرفوع منه من رواية موسى بن خلف عن قتادة عن أنس.
27- وقيل: إن أنسا قال ذلك لزياد النميري وأبان بن يزيد الرقاشي وكانا يقصان على الناس، فذكر لهما أنس أن المراد بذلك مجالس العلم.
ويدل على تفضيل مجالس العلم على مجالس الذكر والتذكير:
28- ما رويناه في ((سنن ابن ماجه)) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من بعض حجره فدخل المسجد فإذا هو بحلقتين:
إحداهما يقرؤون القرآن ويدعون الله.
Shafi 86