120

6

وولوا هرقل بدله. ثم استمرت هيلانة تقول: ولكن هذا الإمبراطور السيء الحظ هرقل لم يهدأ يوما واحدا. فقد استمر كسرى أبرويز في الحرب مع أنه إنما جاء؛ لينتقم من فوقاس جزاء قتله حماه لإمبراطور الطيب موريقوس أبي زوجته مارية. أوغل في أرمينية، ووصلت طلائعه إلى خليج القسطنطينية. ثم علقت هيلانة على ذلك بقولها: وكان المرجو إذ أن الشعب ثار على فوقاس قاتل حمى كسرى، وأن هرقل قبض عليه وقتله اقتصاصا منه لجنايته أن يكف كسرى عن القتال ويعود إلى بلاده، ولكنه لم يفعل بل استمر يحاربنا حتى أجلى جيوش الروم عن أرمينية والشام معا، وها هو ذا قد ملك القدس، واستولى على الصليب المقدس، وأكبر الظن أنه آت بجيوشه إلى مصر ليفتحها، ولكن هيهات أن يدخل الإسكندرية! إذا كانت قد استعصت على بونوسوس وهو شيطان الشياطين فهل تسهل على قائده شاهين! إن أسوارها سميكة جدا لا تفعل فيها قذائف المجانيق، نعم إن في الإسكندرية يهودا يبلغون أربعين ألفا يتربصون بنا الدوائر، وفيها يعاقبة يدفعهم القساوسة إلى العبث، ولكن سلفي نيقتاس لن يفوته أمره.

وكانت السفينة منذ دخلت بهما الترعة الفرعونية تمر مسرعة بقوة الريح ومجاديف النوتية الأشداء الذين كانوا في خدمة السفن الأميرية، ولذلك استطاعت أن تبلغ الإسكندرية في أيام قليلة، وتيسر لمن كان فيها أن يروا أعاجيب ما كان يجري في تلك الأيام: رأوا مئات من السفن بين صغيرة وكبيرة تحمل أخلاطا من أهل الشام وجنودها وقساوستها، بل ويهودها فارين بما معهم من الذرية والأزواج وما أمكنهم أن ينقذوه من المتاع قاصدين الإسكندرية أو غيرها من البلاد الحصينة فرارا من ويلات الحرب في تلك البقاع الشقية، وكانوا كلما مروا بمرفأ من مرافئ القرى على جانبي هذه الترعة العظيمة، أو على شواطئ النيل في فرع رشيد والفرع الكانوبي وخليج كليوباترا غربيه يلتقون بسفن تحمل غلالا وحيوانا وبيضا وسمنا بعضها سائر في طريقه إلى الإسكندرية، وبعضها يوسق من من أجلها، وكانت هذه السفن في غالبها يحرسها جند من الروم لهم سمة خاصة تدل على أنهم من جنود يوحنا الرحوم بطريق الروم في الإسكندرية، وبعضها في حراسة شمامسة من أتباع بطريق اليعاقبة الوطنيين، والواقع أن الكنيسة الرومية كان لها بحكم النظام العام في القطر أملاك واسعة مستقلة عن أملاك الأمير، وكانت تزرعها وتأخذ غلتها للكنيسة، وتنفق منها في سبيل الإحسان وإطعام الناس الذين لو تركت لهم هذه الأراضي لم يكونوا في حاجة إلى إحسانها. بل كانت لها في الغلال تجارة واسعة

7

وكان للبطريق اليعقوبي أملاك وأوقاف كثيرة، تأتي له في مواسم الزراعة بغلالها؛ لتنفق على سكنة الأديار، وفي الإحسان إلى الجياع، وإذ كان ولاة أمر الناس يتوقعون غزو الفرس مصر، فقد أمر كل بطريق أن تنزح البلاد في الصعيد والدلتا وبلاد القطر من غلاتها وخيرات زرعها وضرعها؛ لتخزن في الإسكندرية استعدادا لويلات الحصار العصيبة، ولكنها نزحت كذلك لغاية أخرى. فقد بلغ يوحنا الرحوم ما وصل غليه حال أبناء كنيسته في القدس، ولاسيما على أثر أسر الفرس زخرياس عديله في البطرقة هناك، وحملهم إياه إلى مدائن كسرى، وبلغه أن الفرس شبعوا من القتل والهدم بل بدأوا يرون أن اليهود انتهزوا فرصة الحرب فأعملوا سيوف الغل والحفيظة في الآمنين، وهدموا وقوضوا باسمهم، واستعملوا كل المغريات في سبيل حمل الجنود الفرس على هدم البيع والدور المسيحية العظيمة بدعوى البحث فيها عن كنوز الذهب والفضة، فارتدوا عليهم ببعض الأذى، وسمحوا للمسيحيين بإعادة بناء بيعهم وأديارهم، والعودة إلى ديارهم.

7

بلغ يوحنا الرحوم ذلك فأمر فأعد لإسعاف أهل القدس وللمساعدة في إعادة الكنائس

8

إلى ما كانت عليه ألف أردب من القمح والخضر وألف بغل وألف سفينة من السمك المملح وألف دن من الخمر وألف رطل من الحديد وألف صانع وألف قطعة من الذهب، ولذلك كانت هذه السفن عائدة من الإسكندرية في سبيلها إلى أثريب وتنيس

8

Shafi da ba'a sani ba