Furanni na Tsinkaye
أزهار الشوك
Nau'ikan
ولما استأنف عمله أقبل عليه في جد وبشر، وكان كل من يلقاه يقرن تحيته بالتهنئة على ما أفاد من الصحة في لبنان.
وكانت طنطا محببة إلى فؤاد منذ كان صبيا، كان يزورها مع أبيه في أيام المولد فيقضي بها أياما سعيدة متنقلا بين السرادقات يستمع إلى القرآن وأناشيد الأذكار، وينشرح صدره بما فيها من أنوار وضجيج، وكانت مناظر الأسمار وحلقات اللهو التي شهدها ما تزال ماثلة في ذهنه مقرونة إلى صورة عزيزة؛ صورة أبيه.
وكان عمله الجديد أسمى قدرا مما كان فيه؛ ولهذا كان أخف عليه، على سنة الوظائف في مصر، فإن الوظائف تتدرج صاعدة حتى تئول آخر أمرها إلى ما يكاد يكون فراغا بديعا، وما جدوى الوظيفة الكبيرة إذا لم يصاحبها زيادة الأجر وزيادة الفراغ؟!
وازدحمت المدينة في أيام المولد كعادتها كل عام، فحن فؤاد إلى ارتياد السرادقات والخوض في زحمة البشرية الساذجة التي تخف إلى ضريح الولي الكبير تطلب عنده البركة والغفران.
فكان يخرج في كل ليلة ليستمع إلى القراء وأناشيد المنشدين ويجد فيها متعة لا تشبه في شيء ما كان يجده من الاشمئزاز إذا سمع أغاني المغنين، كان فؤاد إذا سمع تلك الأغاني نفر منها وضاق بتكسرها وتبذلها وأسأمته رتابتها وضآلة فنها، كان إذا سمع منها نغمة انقبض صدره كأنه يسمع عديدا في مأتم حزين، وإذا سمع أخرى تقزز كأنه انتقل قسرا إلى بؤرة مجون، ولكن قراءة القرآن كانت تجلو أذنيه، وكانت أناشيد الأذكار تقع في قلبه جليلة مطربة، وكان إذا مر بحلقات أهل القرى في أسمارهم وملاهيهم أحس عطفا على سخافتهم وتذكر حلقات الأسمار في النجيلة إلى جانب النخيل والكوم الأحمر وسأل نفسه: ألا أين تكون تعويضة؟ وماذا آل إليه أمر قوية؟
ومر ليلة بسرادق أحد الأعيان فرأى فيه زحمة، وسمع منه صوتا حسنا يغني أنشودة بدوية، فوقف يستمع إليها من خارج السرادق فوجد في نغمتها شيئا يشبه نشيدا سمعه من قبل، ثم تبين ألفاظها فجمد في مكانه مدهوشا، أيكون هذا قوية؟ كانت الأنشودة ترن في نغمة حزينة:
وين راح يا تعويضة طياب الريح، راحت وين
وين الهلال والندى والدار وين الدار
كان الزمان من زمان نادي يروينا
شبت لهايب على الأعواد والنوار
Shafi da ba'a sani ba