كان إليس قد استمتع بالعراك من كل قلبه، لكنه استشاط غضبا بمجرد انتهائه، وكتب رسالة شديدة اللهجة إلى السيد ماكجريجور، أخبره فيها أنه قد اعتدي عليه اعتداء همجيا وأنه يريد القصاص. وأرسل معها إلى مكتب السيد ماكجريجور اثنين من الكتبة شهدا الواقعة، وساعيا، ليؤكدوا صحة القصة. وقد كذبوا في انسجام تام. «هاجم الصبية السيد إليس من دون أي استثارة على الإطلاق، وقد دافع عن نفسه ... إلخ.» لكن حتى لا نظلم إليس، لا بد من القول بأنه ربما صدق أن هذه هي الرواية الصحيحة للقصة. انزعج السيد ماكجريجور إلى حد ما، وأمر الشرطة بالعثور على التلاميذ الأربعة واستجوابهم. إلا أن الصبية كانوا متوقعين أن يقع شيء من هذا القبيل، فاحتجبوا بعيدا عن الأنظار؛ وقد ظلت الشرطة تفتش البازار طوال اليوم دون أن تعثر عليهم. في المساء أخذ الصبي المصاب إلى طبيب بورمي استطاع أن يعميه بأن دهن عينه اليسرى بخليط سام من الأوراق المسحوقة.
التقى الأوروبيون في النادي كالمعتاد ذلك المساء، ما عدا ويستفيلد وفيرال، اللذين لم يعودا بعد. كان الكل متكدر المزاج. كان وقوع الهجوم غير المبرر على إليس (فقد كان ذلك هو الوصف المقبول له)، بعد حادثة القتل مباشرة، مما أثار فزعهم بقدر ما أغضبهم. وجعلت السيدة لاكرستين تردد نغمة: «سوف نقتل ونحن نائمون.» لكي يهدئ السيد ماكجريجور من روعها أخبرها أن في حالات اندلاع التمرد دائما ما تحبس السيدات الأوروبيات داخل السجن حتى ينتهي كل شيء؛ غير أنه لم يبد أنها أطمأنت كثيرا لذلك. تعامل إليس مع فلوري بجفاء، وكادت إليزابيث أن تتجاهله تمام التجاهل. كان قد جاء إلى النادي ولديه أمل مجنون أن ينهي خلافهما، لكن سلوكها جعله في غاية من الحزن حتى إنه ظل أغلب المساء متواريا في المكتبة. ظل الحال هكذا حتى الساعة الثامنة حين تناول كل منهم عددا من المشروبات فصار الجو أكثر ألفة بعض الشيء، وقال إليس: «ما رأيكم لو أرسلنا بعض الغلمان إلى منازلنا حتى ترسل لنا وجبات العشاء هنا؟ يمكننا أيضا أن نلعب بعض أدوار البريدج. أفضل من الخمول في المنزل.»
السيدة لاكرستين التي كانت خائفة من العودة إلى المنزل، تلقفت الاقتراح. كان الأوروبيون أحيانا ما يتناولون العشاء في النادي حين يريدون السهر. استدعي اثنان من الغلمان، وحين أخبرا بما كان مطلوبا منهما، انفجرا في البكاء في الحال. بدا أنه كان لديهما يقين أنهما إذا صعدا طريق التل سيقابلان شبح ماكسويل. هكذا أرسل البستاني بدلا منهما. حين مضى الرجل لاحظ فلوري أن القمر كان بدرا مرة أخرى؛ مضت أربعة أسابيع بالتمام منذ ذلك المساء، الذي صار الآن بعيدا بعدا تعجز الكلمات عن وصفه، حين قبل إليزابيث تحت شجرة الياسمين الهندي.
كانوا قد جلسوا للتو إلى طاولة البريدج، وكانت السيدة لاكرستين قد انسحبت لتوها من اللعب بسبب التوتر الشديد، حين أتاهم صوت ارتطام قوي فوق السقف. فزع الكل ونظروا إلى الأعلى.
قال السيد ماكجريجور: «سقطت ثمرة جوز هند!»
قال إليس: «لا يوجد أي شجر جوز هند هنا.»
في اللحظة التالية وقعت أشياء متعددة في نفس الوقت. دوى صوت انفجار آخر أعلى كثيرا من الأول؛ إذ سقط أحد المصابيح الجاز عن خطافه، وتحطم على الأرض، قاب قوسين أو أدنى من السيد لاكرستين، الذي قفز متحاشيا إياه وهو يصيح، فيما راحت السيدة لاكرستين تصرخ، وهرع الساقي إلى الحجرة، عاري الرأس، وقد امتقع وجهه فصار بلون القهوة الرديئة. «سيدي، سيدي! جاء رجال أشرار! أتوا ليقتلونا جميعا يا سيدي!» «ماذا؟ رجال أشرار؟ ماذا تقصد؟» «كل أهل القرية بالخارج يا سيدي! في أياديهم عصي كبيرة وسيوف، وكلهم مهتاجون! سيذبحون رقاب السادة يا سيدي!»
تراجعت السيدة لاكرستين مرتمية على كرسيها، وظلت تطلق صرخات عالية حتى إنها غطت على صوت الساقي.
قال إليس بحدة، ملتفتا إليها: «فلتلزمي الصمت! أنصتوا جميعا! أنصتوا لذلك الصوت!»
تصاعد من الخارج صوت همهمات عميق خطير، مثل دمدمة عملاق غاضب. حين سمعه السيد ماكجريجور، الذي كان قد وقف، تسمر وثبت نظارته على أنفه كمن يتأهب للعراك. «هذا نوع من الشغب! التقط المصباح أيها الساقي. انتبهي إلى زوجة عمك يا آنسة لاكرستين. تأكدي إذا كانت قد أصيبت. وليأت بقيتكم معي!»
Shafi da ba'a sani ba