حين دخلت إليزابيث الحجرة راح قلب فلوري يخفق بعنف حتى جاشت مشاعره. كانت ترتدي قميصا حريريا وسروالا لركوب الخيل، وبشرتها مسفوعة قليلا. لم تبد قط بهذا الجمال حتى في ذكرياته. هنا خارت قواه، وضاع في الحال؛ فقد هربت كل ذرة من شجاعته المضطربة. وبدلا من التقدم لملاقاتها تراجع للوراء فعليا. جاء من خلفه صوت ارتطام مخيف؛ فقد قلب إحدى الطاولات الصغيرة فوقع وعاء زهور الزينيا الذي كان عليها واندفع على الأرض.
هتف مذعورا وقال: «آسف جدا!» «لا بأس! لا تعر الأمر أي اهتمام!»
ساعدته على رفع الطاولة، وهي تثرثر أثناء ذلك بابتهاج وسلاسة كأن لم يحدث شيء: «لقد غبت طويلا يا سيد فلوري! تبدو كأنك جديد تماما! لقد افتقدناك بشدة في النادي ... إلخ.» كانت تشدد على كل كلمة، بذلك الألق المبهرج الصارخ الذي تلجأ إليه المرأة حين تتهرب من واجب أخلاقي. كان مرعوبا منها، حتى إنه لم يقو على النظر إلى وجهها. تناولت هي صندوق سجائر وعرضت عليه واحدة، لكنه رفضها. فقد كانت يده ترتجف بشدة ليستطيع أن يمدها ويأخذها.
قال بصوت رتيب: «لقد أحضرت لك ذلك الجلد.»
فرده على الطاولة التي كانا قد رفعاها للتو. بدا الجلد رثا ورديئا للغاية حتى إنه تمنى لو أنه لم يحضره قط. دنت منه لتتفحص الجلد، اقتربت جدا حتى صارت المسافة بين وجنتها الشبيهة بالزهر ووجنته أقل من قدم، واستطاع أن يشعر بدفء جسدها. لكن خوفه منها كان بالغا حتى إنه ابتعد مسرعا. في نفس اللحظة تراجعت هي أيضا، منقبضة باشمئزاز بعد أن التقطت رائحة الجلد النتنة. اعتراه خزي رهيب، كما لو كانت الرائحة النتنة رائحته هو وليس الجلد.
ابتعدت ياردة أخرى عن رقعة الجلد وقالت: «أشكرك شكرا جزيلا يا سيد فلوري! يا لها من رقعة جلد كبيرة وجميلة، أليس كذلك؟» «كانت كذلك، لكنهم أفسدوها، على ما أخشى.» «لا! سيسرني الاحتفاظ بها! هل ستبقى طويلا في كياوكتادا؟ لا بد أن الحر كان فظيعا في المعسكر!» «نعم؛ كان الجو حارا جدا.»
المدهش أنهما ظلا يتكلمان عن الجو طيلة ثلاث دقائق. فقد كان مغلوبا على أمره. وكل ما وعد نفسه بقوله، كل حججه ودفاعاته، احتبست في حنجرته. قال لنفسه: «أيها الأحمق، ماذا تفعل يا أيها الأحمق؟ هل قطعت عشرين ميلا من أجل هذا؟ هيا، فلتقل ما جئت لقوله! أمسكها بين ذراعيك؛ اجعلها تصغي إليك، فلتركلها، فلتضربها، أي شيء أفضل من أن تتركها تخرسك بهذا اللغو!» لكن بلا جدوى، بلا جدوى! لم يستطع لسانه أن ينبس سوى بتفاهات عقيمة. كيف يستطيع أن يدافع أو يحتج وأسلوبها المبتهج المسترسل، الذي كان يهوي بكل كلمة لمستوى دردشة النادي كان يسكته قبل أن يتكلم؟ أين يتلقينه، ذلك الابتهاج البغيض المصحوب بالقهقهة؟ في مدارس الفتيات المعاصرات متقدات الذهن، لا شك. زادت قطعة الجيفة التي على الطاولة من شعوره بالخزي مع كل لحظة. ظل واقفا هناك شبه أبكم، يبدو قبيحا قبحا أخرق بوجهه الشاحب المتغضن بعد قضاء ليلة بلا نوم، وبدت وحمته كأنها لطعة من الوحل.
تخلصت هي منه بعد دقائق قليلة جدا بأن قالت: «حسنا يا سيد فلوري، أستميحك عذرا، فإنني يجب حقا أن ...»
أفصح أو بالأحرى تمتم قائلا: «ألن تخرجي بصحبتي مرة أخرى يوما ما؟ للسير، الرماية ... أو أي شيء؟» «لم يعد لدي أي متسع من الوقت هذه الأيام! أكاد أكون مشغولة في كل الأمسيات. هذا المساء سأخرج لركوب الخيل.» ثم أضافت قائلة: «مع السيد فيرال.»
ربما أضافت ذلك لتجرحه. كانت هذه هي المرة الأولى التي يسمع فيها بصداقتها مع فيرال. ولم يستطع أن يتخلص من نبرة الحسد الرتيبة الجزعة من صوته وهو يقول: «هل تخرجين مع فيرال لركوب الخيل كثيرا؟» «كل مساء تقريبا. كم هو فارس رائع! ولديه مجموعة ممتازة من أمهار البولو!» «آه. وأنا بالطبع ليس لدي أمهار تلعب البولو.»
Shafi da ba'a sani ba