كان الأمر فظيعا. لم يقو على مواجهتها بعد ذلك. التفت ليخرج سريعا من النادي، لكنه لم يجرؤ على مجرد المرور من باب حجرة لعب الأوراق، خشية أن تراه. ذهب إلى قاعة الجلوس، متسائلا كيف يولي الهرب، وأخيرا قفز من فوق درابزين الشرفة ونزل إلى مربع صغير من الحشائش منحدر حتى نهر الإيراوادي. كان العرق يتدفق من جبهته. أراد لو صرخ غضبا وضيقا. يا له من حظ لعين أن يمسك عليه خطأ كهذا، «الاحتفاظ بامرأة بورمية»، ولم يكن هذا صحيحا حتى! لكن لم يكن هناك أي جدوى من إنكار الأمر. آه، أي صدفة لعينة خبيثة التي قد جعلتها تسمع بالأمر؟
لكن في الحقيقة لم يكن الأمر صدفة. بل كان وارءه سبب معقول تماما، نفس السبب لتصرف السيدة لاكرستين العجيب في النادي هذا المساء. في الليلة السابقة، قبل الزلزال مباشرة، كانت السيدة لاكرستين تقرأ القائمة المدنية. كانت القائمة المدنية (التي تذكر بدقة دخل كل فرد من المسئولين في بورما) مصدر تسلية لا ينفد لها. وبينما هي تجمع راتب حارس الغابات الذي التقت به مرة في ماندالاي وبدلاته خطر لها أن تبحث عن اسم الملازم فيرال، الذي عرفت من السيد ماكجريجور أنه سيصل اليوم التالي مع مائة من رجال الشرطة العسكرية. وحين وجدت الاسم رأت أمامه كلمة كادت أن تفقدها صوابها.
كانت الكلمة هي «النبيل»!
النبيل! الملازمون النبلاء نادرون في كل مكان، في ندرة الألماس في الجيش الهندي، وفي ندرة طيور الدودو في بورما. وحين تكون عمة الشابة الوحيدة المناسبة للزواج في نطاق خمسين ميلا، وتسمع أن ملازما من النبلاء سيصل في موعد أقصاه اليوم التالي ... حسنا! بانزعاج تذكرت السيدة لاكرستين أن إليزابيث كانت بالخارج في الحديقة مع فلوري؛ فلوري السكير البائس، الذي لا يزيد راتبه عن سبعمائة روبية شهريا، والذي من المحتمل جدا أنه كان يطلب يدها حينذاك! في الحال هرعت لتنادي إليزابيث للدخول، لكن في هذه اللحظة تدخل القدر. إلا أن الفرصة سنحت للكلام في طريق العودة إلى المنزل. وضعت السيدة لاكرستين يدها بحنان على ذراع إليزابيث وقالت بأرق صوت تيسر لها أن تأتيه قط: «لا بد أنك تعلمين يا عزيزتي إليزابيث أن فلوري لديه امرأة بورمية، أليس كذلك؟»
في الواقع ظلت هذه العبوة الناسفة المدمرة للحظة دون أن تنفجر؛ إذ كانت إليزابيث جديدة جدا على نظام الحياة في البلد، حتى إن الملحوظة لم تترك لديها أثرا. فلم يبد الأمر أكثر أهمية من «أن يكون لديه ببغاء». «لديه امرأة بورمية؟ لماذا؟» «لماذا؟ عجبا! لماذا يحتفظ الرجل بالمرأة؟»
وبالطبع هنا قضي الأمر.
ظل فلوري مدة طويلة واقفا عند ضفة النهر. كان القمر في السماء، منعكسا على الماء مثل درع عريض من الإلكتروم. غيرت برودة الهواء بالخارج من حالة فلوري المزاجية. لم يعد لديه حتى الطاقة للغضب. فقد أدرك، بمعرفته لذاته وكرهه لها القاتلين اللذين يتأتيان للمرء في ذلك الوقت، إنه يستحق تماما ما حدث. بدا له لبرهة من الوقت أن ثمة مسيرة لا تنتهي من النساء البورميات، كتيبة من الأشباح، يسرن مارات به في ضوء القمر. يا إلهي، ما عددهن؟! ألف؟! لا، لكن مائة كاملة على الأقل. قال في نفسه يائسا: «إلى اليمين انظر!» فتحولت رءوسهن إليه، بيد أنه لم يكن لهن وجوه، وإنما أقراص بلا ملامح. تذكر إزارا أزرق هنا، وزوج أقراط ياقوت هناك، لكن بالكاد تذكر وجه أو اسم. إن الآلهة عادلون ومن رذائلنا الممتعة (ممتعة يقينا!) يصنعون أدوات ليعاقبونا. لقد ارتكب من الخطايا ما لم يترك له أملا في الخلاص، وكان هذا عقابه العادل.
اتخذ مساره على مهل وسط شجيرات الكروتون حول مبنى النادي. كان مغتما بشدة حتى إنه لم يشعر بألم المصيبة بالكامل بعد. سيبدأ الألم، مثل كل الجروح العميقة، بعد زمن طويل. مع مروره من البوابة هز شيء ما أوراق الشجر التي وراءه، فأصابه الفزع. كان ثمة همس بكلمات بورمية حازمة. «بايك-سان باي-لايك! بايك-سان باي-لايك!»
التفت سريعا، وتكررت عبارة «بايك-سان باي-لايك» (أعطني النقود). رأى امرأة واقفة تحت ظل شجرة البوانسيانا الذهبية. كانت ما هلا ماي. خرجت إلى ضوء القمر بحذر، تبدو عليها العدوانية، وظلت مبتعدة عنه كما لو كانت خائفة أن يضربها. كان وجهها مغطى بالبودرة، أبيض شاحبا في ضوء القمر، وقد بدا قبيحا مثل الجمجمة، ومتحديا.
كانت قد أفزعته فقال غاضبا باللغة الإنجليزية: «ماذا تفعلين هنا بحق الشيطان؟» «بايك-سان باي-لايك!» «أي نقود؟ ماذا تقصدين؟ لماذا تتعقبينني هكذا؟»
Shafi da ba'a sani ba