نادى فلوري قائلا: «لا بأس، لقد قضي عليه. تعالوا وألقوا نظرة عليه.»
نزل الرجلان البورميان من على الشجرة، وذهبا هما وإليزابيث إلى حيث كان فلوري واقفا. كان النمر - الذي كان ذكرا - مسجى منكمشا، رأسه بين مخلبيه الأماميين. بدا أصغر كثيرا مما كان وهو حي؛ بدا بالأحرى مثيرا للشفقة، مثل هريرة نافقة. كانت ركبتا إليزابيث ما زالتا ترتعدان، وقد وقفت هي وفلوري يطلان على النمر، متلاصقين، لكن من دون أن يشبكا أيديهما هذه المرة.
ما لبث أن جاء كو سلا والآخرون، وهم يصيحون في فرح. تشممت فلو النمر الميت مرة واحدة، ثم هبط ذيلها وانطلقت خمسين ياردة، وهي تنشج. ولم يمكن استدراجها للاقتراب منه مرة أخرى. جلس الكل القرفصاء حول النمر وأخذوا يحدقون فيه. وشرعوا يربتون على بطنه الأبيض الجميل، الناعم مثل بطن الأرنب، ويعتصرون أقدامه لينتزعوا المخالب، ويسحبون شفتيه السوداوين ليفحصوا الأنياب. وسريعا ما اقتطع اثنان من مثيري الطرائد عود خيزران طويلا وعلقا عليه النمر من حوافره، ليتجرجر ذيله الطويل على الأرض، ثم سارا عائدين إلى القرية منتصرين. ولم ينبس أحد بكلمة عن مزيد من الصيد، رغم أن الضوء كان لا يزال باقيا. فقد كانوا جميعا، بما فيهم الأوروبيون، متلهفين للغاية لبلوغ ديارهم والتباهي بما فعلوه.
سار فلوري وإليزابيث جنبا إلى جنب عبر حقل الجذامة. وكان الآخرون يتقدمونهما بثلاثين ياردة بالأسلحة والنمر، وكانت فلو تسير خفية متأخرة عنهم بمسافة طويلة في الخلف. كانت الشمس في سبيلها للهبوط خلف الإيراوادي، وسطع الضوء بالتساوي على الوادي، صابغا هشيم الجذامة باللون الذهبي، ومصيبا وجوههم بشعاع أصفر هادئ. كاد كتف إليزابيث أن يلامس كتف فلوري أثناء سيرهما. وكان العرق الذي أغرق قميصيهما قد جف ثانية. لم يتحدثا كثيرا. وشعرا بتلك السعادة الجامحة النابعة من الإرهاق وإنجاز المراد، والتي لا يمكن أن يضاهيها أي شيء آخر في الحياة، سواء كانت بهجة من مباهج الجسد أو العقل.
قال فلوري حين اقتربا من القرية: «جلد النمر حق لك.» «لكن أنت الذي أطلقت عليه النار!» «لا بأس، احتفظي أنت بالجلد. إنني لأتساءل حقا كم امرأة في هذا البلد كانت ستحافظ على رباطة جأشها كما فعلت! لا أتخيلهن إلا وهن يصرخن ويغشى عليهن. سوف أجعل الجلد يدبغ لك في سجن كياوكتادا. فهناك سجين يستطيع دبغ جلود ناعمة مثل القطيفة. إنه يقضي عقوبة سبع سنوات، لذا تسنى له الوقت لتعلم الصنعة.» «حسنا، أشكرك شكرا جزيلا.»
لم تنطق كلمة أخرى حينذاك. لاحقا، بعد أن يتحمما من العرق والوسخ، ويطعما ويستريحا، سيلتقيان مرة أخرى في النادي. لم يتفقا على مواعيد، لكن كان مفهوما بينهما أنهما سيلتقيان. كان مفهوما أيضا أن فلوري سيطلب من إليزابيث أن تتزوجه، مع أنه لم يذكر شيئا عن هذا الأمر أيضا.
في القرية دفع فلوري لكل واحد من مثيري الطرائد ثماني آنات، وأشرف على سلخ جلد النمر، وأعطى زعيم القرية زجاجة جعة واثنين من الحمام الإمبراطوري. حشر الجلد والجمجمة في أحد الزوارق. وسرق كل شعر الشوارب، رغم محاولات كو سلا حراستها. وحمل بعض شباب القرية الجثة حتى يأكلوا القلب وعدة أعضاء أخرى، يعتقدون أن تناولها يجعلهم أقوياء وسريعين مثل النمر.
الفصل الخامس عشر
حين وصل فلوري إلى النادي وجد آل لاكرستين في حالة غير معتادة من الكآبة. كانت السيدة لاكرستين جالسة، كدأبها، في أفضل موضع أسفل المروحة، تقرأ القائمة المدنية [قائمة بالمرتبات والمعاشات التي تمنحها الحكومة البريطانية للموظفين التابعين لها في مستعمراتها]، التي تعد بمثابة «دليل ديبريت» في بورما. كانت مستاءة من زوجها، الذي عصاها بطلب «مقدار كبير من الشراب» بمجرد أن وصل إلى النادي، بل وأمعن في عصيانها بقراءة مجلة «بينكان». أما إليزابيث فكانت بمفردها في المكتبة الصغيرة ذات الجو الخانق، تقلب صفحات عدد قديم من مجلة «بلاكوودز».
بعد افتراقها عن فلوري، مرت إليزابيث بمغامرة بغيضة للغاية. كانت قد خرجت من حمامها، وترتدي ملابسها استعدادا للعشاء حين ظهر عمها بغتة في حجرتها. الحجة: معرفة المزيد عما حدث أثناء رحلة الصيد. وراح يقرص ساقها بطريقة لا يمكن أن يساء فهمها على الإطلاق. أصاب إليزابيث الروع، فقد كانت هذه أول مرة تعرف أن بعض الرجال لديهم القدرة على معاشرة بنات إخوانهم. لكننا نعيش ونتعلم. حاول السيد لاكرستين الاستمرار في الأمر على سبيل المزاح، لكنه كان أشد لخمة ويكاد يكون أشد سكرا من أن ينجح في ذلك. ولحسن الحظ أن زوجته كانت بعيدة عن مجال السمع، وإلا ربما كانت أثارت فضيحة من الطراز الأول.
Shafi da ba'a sani ba