كما أنه يعاشر المريضات في المستشفى بالإكراه.
وبناء عليه فإننا نرجو بشدة أن تتحاشى سيادتك الدكتور فيراسوامي وألا ترافق أشخاصا لا يجلبون لشخصك الكريم إلا الشر.
ولكم منا خالص الدعاء بالصحة والرخاء. (التوقيع): صديق
كان الخطاب مكتوبا بحروف مرتجفة مستديرة؛ أسلوب كتبة الخطابات في البازار، الشبيه بكراسة تمارين كتبها شخص ثمل. بيد أن كاتب الخطاب ما كان ليرقى بمستواه لكلمة مثل «تتحاشى». لا بد أن الخطاب قد أملاه أحد الكتبة، ولا شك أنه جاء في الأساس من عند يو بو كين أو «التمساح»، كانت هذه هي الفكرة التي راودت عقل فلوري بعد تفكير.
لم ترقه نبرة الخطاب؛ إذ كان من الجلي أنه خطاب تهديد تحت قناع من الخضوع. وما قصده حقا: «فلتتخل عن الطبيب وإلا سنسبب لك المتاعب.» لكن لم يكن ذلك بالأمر الجلل؛ فما من رجل إنجليزي يشعر بتهديد حقيقي من رجل شرقي.
انتاب فلوري التردد والخطاب في يديه. ثمة شيئان يمكن فعلهما بخطاب مجهول المصدر. يمكن ألا يبوح بشيء عنه، أو أن يريه الشخص المعني به. كان التصرف البديهي، اللائق أن يعطي الدكتور فيراسوامي الخطاب ويدعه يتخذ الإجراء الذي يختاره.
إلا أنه كان من الآمن أن ينأى بجانبه عن هذا الأمر كلية. فمن الأهمية بمكان (ربما الأهم بين المبادئ العشرة جمعاء للسادة البيض) ألا تتورط في مشاحنات «أهل البلد». فلا بد ألا ينشأ إخلاص أو صداقة حقيقية مع الهنود. عاطفة، أو حتى حب. نعم. وكثيرا ما يحب الإنجليز الهنود حقا؛ أهل البلد الموظفون، وحراس الغابات، والصيادون، والكتبة، والخدم. فالجنود يبكون كالأطفال حين يتقاعد الكولونيل الذي يتبعونه. بل حتى الإخاء مسموح به، في اللحظات المناسبة. لكن التحالف، المناصرة، كلا مطلقا! كان مجرد معرفة تفاصيل مشاجرة من مشاجرات «أهل البلد» تفقد الهيبة.
إن أفشى أمر الخطاب سيثور خلاف وسيجرى تحقيق رسمي، وفي نهاية المطاف سيقرن مصيره بمصير الطبيب في مواجهة يو بو كين. ليس يو بو كين ذا بال، لكن يظل هناك الأوروبيون؛ إن كان هو، فلوري، مناصرا للطبيب في سفور شديد، فقد يكون لهذا ثمن باهظ. من الأفضل كثيرا أن يتظاهر بأن الخطاب لم يصله مطلقا. كان الطبيب صديقا طيبا، لكن أن يناصره في مواجهة جام غضب السادة البيض ... كلا، كلا! ماذا يفيد الرجل إن أنقذ روحه وخسر العالم بأسره؟ شرع فلوري يمزق الخطاب. كان الخطر الناتج عن إذاعة خبره ضئيلا جدا، مبهما جدا. لكن لا بد من توخي الحذر من المخاطر المبهمة في الهند. فحتى الهيبة، قوام الحياة، هي نفسها مبهمة. مزق الخطاب بحرص قطعا صغيرة وألقى بها من فوق البوابة.
في هذه اللحظة ترددت صرخة مرتاعة، مختلفة تماما عن صوتي زوجتي كو سلا. أنزل البستاني فأسه وحملق فاغرا فاه في اتجاه الصوت، وجاء كو سلا الذي سمعها هو الآخر، راكضا حاسر الرأس من حجرات الخدم، فيما هبت فلو واقفة ونبحت بحدة. تكررت الصرخة التي كانت صادرة من الغابة خلف المنزل، وكان الصوت إنجليزيا، امرأة تصرخ مفزوعة.
لم يكن ثمة طريق إلى الخارج من الخلف. وثب فلوري من فوق البوابة وهبط وركبته تنزف دما من أثر شظية. وركض حول سور المجمع منطلقا إلى الغابة، تتبعه فلو. خلف المنزل تماما، وراء أول طوق من الشجيرات، كان ثمة واد صغير، يرتاده الجاموس من نيانجليبين لوجود بركة من المياه الراكدة فيه. شق فلوري طريقه وسط الأجمة، وفي الوادي كانت فتاة إنجليزية، ممتقعة الوجه، منكمشة أمام إحدى الشجيرات فيما تتهددها جاموسة ضخمة بقرنيها الهلاليي الشكل، وقد وقف عجل مشعر في الخلفية، كان بلا شك السبب في المشكلة. في الوقت ذاته كان جاموس آخر غمره وحل البركة حتى عنقه، يتطلع بوجه هادئ يعود إلى أزمنة ما قبل التاريخ، متسائلا ما الأمر.
Shafi da ba'a sani ba