بعد قليل، ارتدى يو بو كين ملابس العمل بمساعدة با تايك، ووقف برهة يتطلع إلى نفسه بإعجاب في المرآة الطويلة في حجرة المعيشة، التي كانت جدرانها خشبية، وبها عمودان، لا يزال جليا أنهما جذعا شجرتي ساج، يحملان السقف. كانت حجرة معتمة وغير منظمة على غرار كل الحجرات البورمية، مع أن يو بو كين كان قد فرشها على «الطراز الإنجليكي» بخوان مكسو بقشرة خشبية ومقاعد، وبعض المطبوعات الحجرية للعائلة المالكة ومطفأة حريق، وفرشت أرضيتها بحصائر خيزران، ملطخة بالكثير من الجير وعصارة التانبول.
اتخذت ما كين مجلسها على إحدى الحصائر في الركن، تخيط بلوزة من الزي البورمي التقليدي، فيما استدار يو بو كين على مهل أمام المرآة، ليلقي نظرة على مظهره من الخلف. كان يرتدي عصابة رأس من الحرير بلون وردي فاتح، وقميصا من الموسلين المنشى، وإزارا من حرير ماندالاي، بلون برتقالي وردي رائع، موشى بلون أصفر. بذل جهدا ليدير رأسه ويتطلع، مسرورا، إلى الإزار الذي ضاق عن مؤخرته الضخمة ولمع. كان فخورا ببدانته؛ لأنه رأى في اللحم المكتنز رمزا لعظمته. هو الذي كان في الماضي مجهولا وجائعا صار الآن بدينا وثريا ومهيب الجانب. كان بدنه منتفخا بجثث أعدائه؛ وهي الفكرة التي أوحت إليه بشيء شديد القرب من الشعر.
قال يو بو كين: «إزاري الجديد كان رخيص الثمن باثنين وعشرين روبية ... ها ... يا كين كين؟»
أحنت ما كين رأسها فوق ما تخيطه. كانت امرأة بسيطة وتقليدية، لم تتعلم من العادات الأوروبية أكثر مما تعلمه يو بو كين؛ فلم تكن ترتاح للجلوس على الكراسي، وتذهب كل صباح إلى البازار حاملة سلة فوق رأسها، مثل نساء القرية، وفي المساء ترى جاثية في الحديقة، تصلي إلى برج المعبد الذي كان يتوج البلدة. وقد ظلت المؤتمنة على مؤامرات يو بو كين لما يربو على عشرين عاما.
قالت ما كين: «لقد ارتكبت الكثير جدا من الإثم في حياتك يا كو بو كين.»
لوح يو بو كين بيده وقال: «وما الضرر؟ ستشفع لي المعابد التي سأبنيها عن كل شيء. ما زال أمامي متسع من الوقت.»
أحنت ما كين رأسها على الخياطة مرة أخرى، بأسلوب متمنع كانت تأتيه عند استنكار شيء يفعله يو بو كين.
وقالت: «لكن ما الحاجة إلى كل هذه المكائد والمؤامرات يا كو بو كين؟ لقد سمعتك وأنت تتحدث مع كو با سين في الشرفة. إنك تدبر الشر للدكتور فيراسوامي. لماذا تريد الإيذاء بذلك الطبيب الهندي؟ إنه رجل صالح.» «ما أدراك بأمور العمل يا امرأة؟ إن الطبيب يعترض طريقي؛ فهو يرفض الرشاوى في المقام الأول، مما يجعل الأمر صعبا على بقيتنا. بجانب ذلك ... حسنا، ثمة أمر آخر لن يسعك فهمه أبدا.» «لقد صرت ثريا وذا نفوذ يا كو بو كين، فماذا استفدت من ذلك؟ لقد كنا أكثر سعادة ونحن فقراء. أتذكر جيدا حين كنت مجرد موظف في شئون البلدة، حين امتلكنا منزلا لأول مرة. كم كنا فرحين بأثاثنا الخيزران الجديد، وبقلمك الحبر ذي الغطاء الذهبي! وكم داخلنا الفخر حين زار منزلنا ضابط الشرطة الإنجليزي الشاب وجلس على أفضل كرسي واحتسى زجاجة جعة! ليست السعادة في المال. ماذا عساك تريد بالمزيد من المال؟» «هذا هراء، هراء يا امرأة! انتبهي للطهي والحياكة واتركي أمور العمل لأولئك الذين يفهمونها.» «حسنا، لست على علم بشيء. إنني زوجتك وطالما أطعتك. لكن على الأقل لم يفت الأوان لتكسب ثوابا. حاول أن تكسب ثوابا أكثر يا كو بو كين! هلا اشتريت مثلا بعض السمك الحي ثم أطلقته في النهر؟ فمن الممكن كسب ثواب كبير بتلك الطريقة. حين جاءني الكهنة هذا الصباح من أجل الأرز أخبروني أن هناك كاهنين جديدين في الدير، وأنهما جائعان. هلا أعطيتهما شيئا يا كو بو كين؟ فإنني لم أعطهما شيئا حتى تكسب أنت الثواب على ذلك.»
تحول يو بو كين عن النافذة. كان الرجاء قد مسه قليلا. وهو لم يكن يفوت فرصة لكسب الثواب، ما دام يمكنه ذلك دون متاعب. كان يرى أن حسناته المتراكمة بمثابة وديعة في مصرف، تزداد باستمرار. فقد كان في كل سمكة يطلق سراحها في النهر، وكل هدية لأحد الكهنة، خطوة تقربه للنرفانا. وكان له في هذا الاعتقاد طمأنينة. هكذا أمر بضرورة إرسال سلة المانجو، التي أحضرها زعيم القرية، إلى الدير.
وفي الحال غادر المنزل وسار على الطريق، يتبعه با تايك حاملا ملف أوراق. كان يمشي على مهل، مستقيم القامة بشدة للحفاظ على توازن معدته الضخمة، حاملا مظلة صفراء من الحرير فوق رأسه. كان إزاره الأصفر يلمع في أشعة الشمس كأنه حلوى برالين مصنوعة من حرير. كان في طريقه إلى المحكمة للحكم في قضايا اليوم.
Shafi da ba'a sani ba