المذكرة الرابعة عشرة: حل أزراري فأصابني الزكام
لا عذر للأمم على جهلها، ولا عذر للعالمة منها أن تبخل بالعلم على غيرها، لقد فك أزراري وأنا مستقبل الريح بلا قصد مني فأصبت بالزكام، لم يكن ذلك الزكام عن عمد، إنما كان عن نسيان.
هكذا الأمم الإنسانية إذا جهلت الفضيلة وغفلت عن الحكمة والعلوم ساءت حالها ووردت مناهل الشقاء بلا مشيئة منها، فلا غفران لذنوب الجهل بالنواميس الطبيعية، وقد يغتفر السهو والخطأ في الأعمال الإرادية والذنوب الاختيارية.
المذكرة الخامسة عشرة: الحجر والسياسة
ناولني فتى من الفتيان المتعلمين حجرا أسمر اللون يشوبه حمرة آتيا به من جبل الرصاص تتخلله قطع رصاصية معدنية طبيعية، فلما أن شاهدتها بدا لي أن في الحجر حل مشكل هذا العالم الإنساني، إن عليه سياسة هذا العالم قديما وحديثا، وهي أقسام ثلاثة.
السياسة الأولى:
سياسة العصور الحجرية، والأمم البربرية القديمة العهد، فلقد كان الحجر حل مشكل المعضلات، وفاصل الحكم بين الجماعات، إذا احتدم وطيس الجدال بين قبيلتين، أو غلا الدم في وجوه أعيان القريتين، حددوا أحجارهم كما تحد سكاكين الحديد، وتناضلوا بها واستعانوا بالعصي وما شاكلها، فمن كان أشد رميا وأقوى ضربا كان له فصل الخطاب وأضحى صاحب التاج والصولجان.
السياسة الثانية:
سياسة الأمم الذين بعدهم في الأعصر الحديدية، وهم الذين عثروا على معادن الحديد فسبكوها، وتراموا بالنبال وتضاربوا بالسيوف، فقضى بينهم الحديد، وهم كآبائهم الأولين، فلما أن عثروا على الرصاص في ثنايا الصخور وتحت طباق الجبال صنعوها كرات وقذفوا بها أعداءهم، ولعل فرق ما بين الحجريين والرصاصيين أن الأولين حكموا ظاهر هذا الحجر الذي في يدي، والآخرون انتزعوا رصاصة فكانت أشد فتكا وأسرع مرمى وأنفذ حكما، إن الأولين والآخرين في ضلال مبين، كلاهما في الضلال يعمهون.
السياسة الثالثة:
Shafi da ba'a sani ba