ولم يكن قصدنا في أول هذا الكتاب إلى ذكر هاشم، وقد كان قصدنا الإخبار عن مكة بما قد كتبناه في صدر هذا الكتاب، ولكن ذكر خصال مكة جر ذكر خصال قريش، وذكر خصال قريش جر ذكر خصال بني هاشم.
فإن أحببت أن تعرف جملة القول في خصال بني هاشم فانظر في كتابي هذا الذي فرقت فيه بين خصال بني عبد مناف وبين بني محزوم، وفرقت ما بين عبد شمس؛ فإنه هناك أوفر وأجمع، إن شاء الله تعالى.
[6- عودة الى خصال قريش]
فصل منه: قالوا: وقد تعجب الناس من ثبات قريش، وجزالة عطاياهم، واحتمالهم المؤن الغلاظ في دوام كسبهم من التجارة، وقد علموا أن البخل والبصر في الطفيف مقرون في التجارة ؛ وذلك خلق من أخلاقهم. وعلى ذلك شاهد أهل الترقيح والتكسب والتدنيق.
فكان في ثبات جودهم العالي على جود الأجواد، وهم قوم لا كسب لهم إلا من التجارة، عجب من العجب.
ثم جاء ما هو أعجب من هذا وأطم، وذلك أنا قد علمنا أن الروم قبل التدين بالنصرانية، كانت تنتصف من ملوك فارس، وكانت الحروب بينهم سجالا، فلما صارت لا تدين بالقتل والقتال، والقود والقصاص. اعتراهم مثل ما يعتري الجبناء حتى صاروا يتكلفون القتال تكلفا. ولما خامرت طبائعهم تلك الديانة، وسرت في لحومهم ودمائهم فصارت تلك الديانة تعترض عليهم. خرجوا من حدود الغالبية إلى أن صاروا مغلوبين.
وإلى مثل ذلك صارت حال الغزغز من الترك. بعد أن كانوا أنجادهم وحماتهم، وكانوا يتقدمون الخرلخية، وان كانوا في العدد أضعافهم، فلما دانوا بالزندقة- ودين الزندقة في الكف والسلم أسوأ من دين النصارى- نقصت تلك الشجاعة، وذهبت تلك الشهامة.
Shafi 110