Takarduna … Rayuwata

Nawal Sacdawi d. 1442 AH
84

Takarduna … Rayuwata

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Nau'ikan

قبل أن تعود طنط فهيمة من سهرة رأس السنة الجديدة، قبل أن أغلق مفكرتي بعد منتصف الليل أول يناير 1945م، كتبت: أنتظر إجازة العيد بفارغ الصبر لأسافر إلى منوف، أشعر بالحنين إلى أمي وأبي وأخواتي، أشعر بالحنين إلى الحرف «ف»، يعزف العود في هدوء الليل تنثر، سأدخل مدرسة الفنون الجميلة وألقاه. هل تخرج من المدرسة وتزوج؟ أيعيش هنا في مصر؟ هل ألتقي به مصادفة في الطريق إلى المدرسة؟!

في إجازة العيد سافرت وأخي إلى منوف، اشترى أخي كاميرا صغيرة، كان عاشقا للصور، يدخل إلى الغرفة في الحديقة حيث تخزن طنط فهيمة الصور، يقضي الساعات يتفرج على الصور، عثر على صورة لأمي وهي تلميذة في المدرسة، صورة له وهو طفل تحمله أمي فوق صدرها، وجهها يشبه الملكة نازلي تحمل طفلها الملك فاروق، أو العذراء مريم تحمل المسيح، أراد أخي أن يأخذ هذه الصور إلى منوف، طنط فهيمة رفضت. كان يحرم نفسه من الطعام، يدخر القرش على القرش، اشترى الكاميرا الصغيرة ليلتقط صورة في منوف لأمي، كنت أحب الصور مثل أخي، القراءة كنت أحبها أكثر، أقرأ القصص والروايات، في أوقات الفسحة تلعب البنات في الحوش أجلس على الدكة الخشبية وأقرأ، في حصة الألعاب الرياضية كنت أقرأ أيضا، في حقيبتي شهادة طبية مكتوبة بخط يشبه نغبشة الفراخ: مطلوب إعفاء التلميذة نوال السيد السعداوي من حصة الألعاب الرياضية؛ لإصابتها بآلام روماتيزمية في عظام الظهر والساق اليسرى.

أصبحت هذه الشهادة تلازمني في حقيبتي بعد أن تلاشت الآلام، أقدمها للناظرة حين أتأخر في الصباح أو أغيب عن المدرسة يوما أو يومين، أعطت الناظرة أمرا للبواب أن يفتح لي الباب، أبي يقول: رب ضارة نافعة.

في منوف التقط أخي طلعت كثيرا من الصور، أمي تتمشى في الحقل من حولها أخواتي الصغيرات، صورتي أجري وراء فراشة بيضاء، وضع ذراعه في ذراعي «أنكاجيه» والتقطت لنا أمي الصورة، جاء أبي التقط له أخي صورة واقفا بين الزرع في يده المنشة فوق رأسه الطربوش.

لقيط في دورة المياه

في مدرسة السنية كانت معي زميلة اسمها سعاد، تسكن في منزل مجاور لبيت عمي الشيخ محمد، بيتها أحسن حالا، تدخله الشمس، المرحاض نظيف، أزورها لمجرد الدخول إلى المرحاض، تمشي معي إلى المدرسة، تعطيني كراريسها أنقل منها ما يفوتني أيام الغياب.

سعاد سمراء البشرة نحيفة قصيرة، ووجهها طويل شاحب، شفتاها رفيعتان تشوبهما زرقة، مطبقتان بشدة الجدية والاستقامة، في المرآة شفتاي منفرجتان غير منطبقتين، هل أفتقد الجدية والاستقامة؟ أشد عضلات وجهي، أزم شفتي، مهما حدث لن أبتسم، لا شيء في الكون يبعث على الابتسام.

فجأة تنفرج شفتاي، أبتسم لأقل سبب، جرو صغير يرفع ذيله يبول فوق جدار الجامع، الناظرة ترفع أنفها بكبرياء لتسقط من فوق المنصة، أنفجر بالضحك، سعاد إلى جواري شفتاها لا تنفرجان.

أخي طلعت يشاركني الضحك، يقلد طنط فهيمة، يدق بكعب حذائه الأرض، يقلد عمي الشيخ محمد، يتنحنح بصوته الغليظ، زوجة عمي تتأوه بصوتها الناعم الممطوط.

الجمعة يوم الإجازة، أذهب مع أخي إلى حديقة الأزبكية والأندلس وحديقة الحيوان في الجيزة، نتبارى في ركوب الترام دون دفع التذكرة، أخي أكثر جرأة في التزويغ من الكمساري، يقفز من الترام قبل أن يصل إليه، أقفز خلفه، الكمساري يقفز ورائي، لم يكن مألوفا أن تقفز البنات من الترام.

Shafi da ba'a sani ba