231

Takarduna … Rayuwata

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Nau'ikan

تجمدت أمام المرآة وأنا أنظر إلى وجهي، ثم أكمل جسمي الاستدارة وأصبحت أواجهه وجها لوجه، وعينا لعين، ماذا رأى في عيني؟! رأيته يتراجع إلى الوراء من دون أن يستدير حتى التصق ظهره بالحائط، أصبح جزءا من الحائط بغير حراك، وجهه بلون الحائط الأبيض، شفتاه بيضاوان منفرجتان دون أن ينطق، تصورت أنه مات وهو واقف قبل أن أقترب منه.

لم أعد في حاجة إلى المشرط، نطقت عبارة واحدة من كلمتين بصوت أبي الميت: أنا خلعتك. •••

أربعون عاما مضت على هذه اللحظة، تصورت أنها سقطت في العدم، إلا أنها باقية في الذاكرة مثل نجم صغير يتألق في الظلمة، حصلت بعدها على ورقة الطلاق وأنا في بيتي معززة مكرمة، لم أخرج إلى المحكمة أو مكتب المأذون، لم أدفع شيئا للمحامين أو الزوج المخلوع، لم أرد له شيئا لأنني منذ البداية رفضت أن آخذ شيئا، وتحررت من قانون الطاعة بفضل مشرط الجراحة.

أقمت حفلا صغيرا في بيتي بمناسبة الطلاق، جاءت صديقاتي الثلاث بطة وصفية وسامية، أطلقت دادة أم إبراهيم زغرودة طويلة، قالت بصوت جدتي الفلاحة: بركة يا ضكطورة رجعتي لنا بالسلامة. كركرت بطة بضحكتها الطويلة المتقطعة، وقالت: عقبال عندنا يا رب! ابتسمت صفية بهدوئها المعتاد وقالت: إنت يا نوال أشجع واحدة فينا. ورفعت سامية ذراعها في الهواء كأنما تهتف في مظاهرة، تسقط مؤسسة الزواج! •••

أربعون عاما أسمع سامية تنطق الهتافين معا في نفس واحد: تسقط مؤسسة الزواج تسقط الإمبريالية والصهيونية! مضى أربعون عاما من دون أن تتحرر سامية من زوجها رفاعة، ومن دون أن تتحرر مصر من الإمبريالية والصهيونية.

في السنوات الأخيرة فقدت سامية بعض قوتها مع فقدان الشباب وأحكم رفاعة سيطرته عليها، ومنذ هزيمة 1967 فقدت مصر بعض قوتها، بعد معاهدة كامب ديفيد عام 1976 فقدت مصر الوحدة العربية، تمزقت داخليا تحت وطأة الفتنة الدينية السياسية، وبعد الهزيمة في حرب الخليج عام 1991 دخلت مصر غابة العولمة تحت السيطرة الإسرائيلية الأميركية.

الهزيمة الكبرى

التقيت بشريف عام 1964 في وزارة الصحة، خرج من السجن منذ عام واحد بعد أربعة عشر عاما وراء القضبان. شهقت بطة حين سمعت الخبر، إنت مجنونة يا نوال، خريج سجون وشيوعي كمان؟! انتفضت صفية، الشيوعية ضيعت أخويا أسعد ومالهاش مستقبل في بلادنا يا نوال! مطت سامية شفتيها، الشيوعية ليست المشكلة يا أخواتي، المشكلة هي مؤسسة الزواج، مؤسسة فاشلة وليس لها مستقبل، وسوف تنقرض بإذن الله!

كركرت بطة بالضحك، يسلم بقك يا سامية، لكن المشكلة الحقيقية هي نوال، هي لا تؤمن بمؤسسة الزواج منذ العصر العبودي، فكيف تدخل المؤسسة بإرادتها للمرة الثالثة؟! لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين فما بال الثالثة؟

كنت في الثالثة والثلاثين من العمر، سقطت أوهام كثيرة عشعشت في عقلي وخيالي، لم يعد قلبي يخفق كما كان في العاشرة من عمري أو العشرين، حياتي أصبحت كاملة دون رجل، الطب والأدب وابنتي وأخواتي والصديقات والأصدقاء، حياتي ممتلئة بكل ما يشبع حاجات الإنسان وما يفيض، فلماذا أتزوج؟ لماذا أضع نفسي تحت طائلة قانون يعود بي إلى الوراء عشرين عاما فأصبح قاصرة لا أملك جسمي ولا عقلي ولا أسافر إلا بإذن من زوجي؟!

Shafi da ba'a sani ba