225

Takarduna … Rayuwata

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Nau'ikan

هذه المرأة داخل المرآة؟ أهي أنا؟ زوجة لرجل لا تحبه، طبيبة في مهنة ليست مهنتها، تحمل في أحشائها جنينا ليس جنينها، تعيش في بيت ليس بيتها، تخرج كل يوم رغم أنفها إلى مرضى لا تطيق رائحتهم.

النتيجة فوق الحائط ثابتة عند العام 1960، هذه الذراع الملفوفة بالجبس تعود بي إلى بداية عام 1955، بالضبط أول يناير 1955. صحوت من النوم مشرقة متألقة كالشمس في اليوم الجديد، ارتديت ثوبي الجديد بمناسبة العام الجديد ونجاحي في كلية الطب بتفوق، أصبحت طبيبة امتياز في المستشفى الجامعي (قصر العيني الجديد). أرى نفسي في المرآة داخل ثوب أبيض فيه زهور وردية، عيناي السوداوان يكسوهما البريق، قلبي يخفق بالحب، حول إصبعي خاتم الخطوبة يحمل اسمه، لمحته من النافذة قادما في الطريق يحمل باقة ورد، أدخلته الخادمة إلى غرفة الاستقبال. كان هناك باب من الزجاج يفصل الصالة عن غرفة الاستقبال، وستارة فوق الباب صنعتها أمي بإبرة التريكو. كان أبي جالسا في الصالة يقرأ، سأل الخادمة من جاء؟ قالت الدكتور أحمد. كانت تعرفه من الزيارات السابقة، وحفل الخطوبة الصغير منذ عامين. خلع أبي نظارة القراءة ونهض. تصورت أنها سيدخل إلى غرفة الاستقبال ليسلم على الدكتور أحمد، لم يكن طبيبا بعد، طلبة السنة النهائية في الكلية كانوا يحملون لقب دكتور. كان أبي غاضبا؛ تأخر أحمد عن زملائه في التخرج بسبب سفره مع الفدائيين إلى جبهة القتال في القنال.

طلب مني أبي أن أرد إليه خاتم الخطوبة وأطلب منه ألا يزورنا في البيت. قال ذلك بصوت منخفض لا يصل إلى غرفة الاستقبال، الباب الزجاجي بين الصالة والغرفة كان مغلقا، أبي كان هادئا بالطبيعة، صوته لا يرتفع إلا عند الغضب الشديد، لم يكن غاضبا هذه اللحظة، أصدر قراره في هدوء كامل، ابنته الطبيبة لن تتزوج طالبا فاشلا تخلف عن زملائه عامين.

تطورت الأمور على نحو غريب سريع، لا أعرف ماذا حدث بالضبط، رأيت أمي تأتي إلى الصالة مرتدية ثوبها الأزرق، في قدميها شبشب أزرق تسميه البانتوفلي، سارت بخطوة سريعة إلى الباب الزجاجي وأغلقته بالمفتاح، وضعت المفتاح في جيبها ثم عادت إلى غرفتها، جاءت الخادمة وقالت: إن الدكتور أحمد ترك باقة الورد فوق المنضدة في غرفة الاستقبال ثم انصرف.

كان لغرفة الصالون باب آخر يقود إلى الحديقة الصغيرة والباب الخارجي من دون المرور بالصالة، هل سمع صوت أبي؟ هل سمع صوت المفتاح يدور في الباب الزجاجي حين أغلقته أمي؟!

كنت واقفة في الصالة متجمدة، جسمي متجمد وعقلي متجمد، ارتدى أبي ملابسه وخرج، واقفة في مكاني لا أتحرك، رعدة خفيفة أصابتني من قمة رأسي إلى قدمي، كأنما ماء ساقع ينسكب من السقف فوقي وأنا واقفة، الدقات تحت ضلوعي تتصاعد، الدموع تتراكم في حلقي كالغصة، والغضب المتراكم منذ ولدتني أمي أربعا وعشرين سنة. كنت أدق الأرض بقدمي حين أغضب في السابعة من العمر، لم أعد أدق الأرض بقدمي، لم يكن أمامي شيء قابل للكسر إلا الباب الزجاجي المغلق، وجدتني أندفع نحوه، أضربه بقبضة يدي اليمنى ضربة واحدة هائلة.

لم أفقد الوعي هذه اللحظة، كنت في كامل الوعي، كامل الانتباه، لم أحس بأي ألم، فقط دخلت قبضة يدي في الباب الزجاجي وخرجت من الناحية الأخرى.

بقي معصمي داخل اللوح المكسور، حركت ذراعي لأشد يدي خارج الزجاج، سقط اللوح الكبير بكل ثقله فوق معصمي مثل السكين، سقطت قبضة يدي إلى أسفل فجأة ، رأيتها تتدلى لا أستطيع رفعها مهما حاولت، كف قلبي عن الدق وتفجر الدم بلون أحمر يلطخ الباب الأبيض والبلاط وثوبي الأبيض.

اللون الأحمر القاني فوق السطح الأبيض أعادني إلى الحلم الطفولي القديم، رأيت نفسي طفلة تحبو تمسك أمها يدها حتى لا تسقط، رأسي أثقل من جسمي لا أستطيع أن أرفعه فوق عنقي، لا أستطيع أن أرفع يدي، ذراعي ثقيلة مخدرة. شددت جفوني لأصحو من النوم، رأيت وجه أمي أول ما رأيت يبرز وسط الضباب، كان شاحبا رماديا بلون الضباب، انفرجت شفتاها عن ابتسامة خفيفة، سمعت صوتها يأتي من بطن الأرض: الحمد لله جت سليمة يا نوال. كانت ترتدي الثوب الأزرق والبانتوفلي الأزرق في قدميها. ثم رأيت وجه أبي، كان طويلا شاحبا، يردد ما قالته أمي: الحمد لله جت سليمة يا نوال. من حولي معاطف الأطباء البيضاء، مرايل الممرضات، الجدران البيضاء، رائحة المستشفى، وأنا راقدة في السرير الأبيض، داخل ثوب أبيض، ذراعي اليمنى ملفوفة بالجبس الأبيض.

أفقت من البنج ورأيت الدكتور عبد العظيم، كان أستاذا بقسم الجراحة في مستشفى القصر العيني الجديد، عاد لتوه من لندن بعد أن تخصص في جراحة الأعصاب والعضلات الدقيقة، طويل نحيف له وجه مبتسم، قال: مبروك يا دكتورة نوال، العملية نجحت تسعين في المائة والباقي عليك أنت. لم أفهم شيئا مما يقول، في اليوم التالي شرح لي الحقيقة: العملية كانت صعبة، استغرقت أكثر من تسع ساعات، أنسجة المعصم تمزقت وأربطة العضلات، عملت كل جهدي يا دكتورة نوال عشان أرجع كل حاجة زي ما كانت، أنا عملت اللي علي والباقي على ربنا. وسمعت أبي يقول: كان يمكن تفقدي إيدك اليمنى كلها لولا عناية الله، ومهارة الدكتور عبد العظيم، دي أول عملية جراحية من هذا النوع يجريها بعد عودته من الخارج. وقالت أمي: ربنا بيحبك يا نوال، وإن شاء الله إيدك ترجع زي ما كانت مش كده يا دكتور؟

Shafi da ba'a sani ba