Takarduna … Rayuwata

Nawal Sacdawi d. 1442 AH
180

Takarduna … Rayuwata

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Nau'ikan

وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين * فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ، وفي سورة طه

فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى * فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى * قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى .

ترن كلمة «عدو» في أذني، أتوقف عندها، لماذا خلق الله العداوة بين حواء والحية وبين آدم وحواء؟ ألأنهم أكلوا من شجرة المعرفة؟ هل يمكن أن تكون المعرفة هي الإثم؟!

كل صباح، الحرباء تبتسم لي، أتوقف أبادلها الابتسام، إن لم أجدها فوق التل أبحث عنها، عيناي تفتشان عن جسمها النحيل الأصفر، إن لم تظهر ينتابني القلق، هل أصابها شيء؟ هل ضربها أحد وماتت؟ أنادي عليها بلا صوت، تحس خطوتي على الأرض، تخرج من تحت الرمل، ترقص حول نفسها بالفرح، ترفع ذيلها في الهواء علامة التحية.

في الطريق إلى المستشفى أمشي بنشاط، تخفف قلبي من العداوة، عصيت تعاليم الرب وأحببت الحية، ينتابني الإحساس بالذنب، يعود إلي الخوف، أيعاقبني الله على هذا الحب الآثم؟ ••• - اكتبي طلب للوزير يا نوال تطلبي فيه النقل من مستشفى الأمراض الصدرية.

صوت أبي يتردد في أذني قبل موته بشهر واحد، كنت أسعل طول الليل كالمرضى بالسل، يسمعني أبي فيصحو من النوم، ينهض يسقيني الدواء ويغطيني، لم أذهب إلى طبيب ليكشف على صدري، كنت أكره الأطباء وأريد الموت، يسقيني أبي الدواء كالطفلة رغم أنفي: «دكتورة إزاي ومش عارفة تعالج نفسها، باب النجار مخلع!» أكتم السعال في الوسادة حتى لا يسمعني، تصحو أم إبراهيم قرب الفجر، تناولني الكوب يتصاعد منه البخار: «اشربيه ع الريق يا ضكطورة اللبان الدكر المغلي أحسن من ميت دوا؛ اسأل مجرب ولا تسأل طبيب.» يوم الجمعة تأخذني أشم الهواء في الخلاء، شاطئ ترعة الزمر يمتد وراء حي العمرانية، الحقول الخضراء الممدودة حتى الأهرامات، تمسك أم إبراهيم يدي وتمشي بين المزارع، تنقلني رائحة الفول الحراتي إلى القرية والطفولة، أفك يدي من يدها وأجري في المساحات الواسعة، عيناي تشربان الخضرة كالروح الظمأى، مسام جسدي تتفتح تحت أشعة الشمس، أفرد ذراعي أعانق الهواء الطلق، أحركهما كالجناحين أكاد أطير كما يحدث في الحلم: «الله يا أم إبراهيم الدنيا حلوة أوي.» - «أيوه يا ضكطورة اضحكي كده زي زمان لما بتضحكي الشمس بتطلع.»

تحوطني بذراعيها كالطفلة في حضن الأم، أبكي فوق صدرها، أطلق سراح الدموع المكبوتة منذ ولدتني أمي حتى ماتت: «فضفضي عن نفسك يا ضنايا أنا أمك.» تتربع وسط الزرع داخل جلبابها الواسع، تحكي لي الحكايات بصوت جدتي، تستعيد وجه ابنها المفقود في الحرب، وابنتها المريضة في القرية، تمسح دموعها بكفها الكبيرة، تتطلع نحو الشمس وتضحك: «ما حدش واخد منها حاجة يا ضكطورة.» تمد يدها إلى الزرع، تقطف الفول الحراتي، تفصصه بأصابعها السمراء الطويلة، تناولني الحبة وراء الحبة، أقضمها بأسناني، وصوتها يسري في أذني تغني:

في البحر لم فتكم في البر فتوني ... بالتبر لم بعتكم بالتبن بعتوني ... آه يا ليل يا عين.

انتقلت إلى مستشفى الأمراض الصدرية بالجيزة، كان أقرب إلى بيتي من مستشفى العباسية، وسط الحقول في نهاية حي العمرانية، لم أعد أضيع في الطريق أربع ساعات، أسير من باب البيت إلى باب المستشفى على القدمين، مسافة أقطعها بالخطوة السريعة في ساعة واحدة رياضة يومية في الصباح الباكر على شاطئ الترعة، أستنشق رائحة الزرع والماء، لم يكن أبي مطمئنا على صحتي، ما إن يسمعني أسعل حتى يقول: «اكتبي طلب للوزير، سيبي الأمراض الصدرية يا نوال، وافتحي العيادة في ميدان الجيزة.»

كانت العيادة حلم أبي وأمي، ماتت أمي قبل أن أحقق لها الحلم، فهل أحققه قبل أن يموت أبي؟ لم يكن معي ما يكفي لفتح عيادة، راتبي من الحكومة أربعة عشر جنيها، أنفقها كلها في البيت، أبي بلغ الستين وأحيل إلى المعاش، انخفض راتبه إلى النصف، الأسرة عددها بعد موت أمي عشرة أفراد، أنا وابنتي وأم إبراهيم والأخوان وأخواتي البنات الأربع، أختي ليلى تزوجت وتركت البيت، وأخي الأكبر طلعت سافر إلى مديرية التحرير. •••

Shafi da ba'a sani ba