Takarduna … Rayuwata

Nawal Sacdawi d. 1442 AH
149

Takarduna … Rayuwata

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Nau'ikan

أهي رسالة أو شفرة سحرية تنتمي إلى عالم غير عالمنا تحدث في اللازمان واللامكان واللاكلام، لحظة خارج الكون فوق قوانين الطبيعة ومنطق العقل، مع ذلك تبدو أكثر اللحظات اتساقا مع الطبيعة والمنطق تفرض نفسها على العقل والذاكرة، على الزمان والمكان وحركة التاريخ، إلا فلماذا أذكرها هي بالذات دون السنوات الست، مع أنها لن تستغرق إلا نصف الثانية أو أقل؟

ما بين هذه اللحظة من نوفمبر 1951م حتى يناير 1957م تغيرت حياتي كما لم يحدث في أي فترة من العمر، في هذه السنين أيضا تغيرت الحياة في مصر وانقلب نظام الحكم.

كان أحمد حلمي أحد الفدائيين الذين شاركوا في حرب القنال ومهدوا الطريق لقلب نظام الحكم، الفدائيون كانوا وقود الثورة، جنودها المجهولون يقفون في الصفوف الأولى، صدورهم عارية يتلقون أول الضربات، يدفعون ثمن الثورة أو النصر لا يذكرهم أحد، الجنود المجهولون ليست لهم أسماء ولا وجوه إلا قطعة حجر تسقط مع الزمن.

في المدرج الصغير يدوي صوت الزعماء، يحثون الطلبة على الانضمام إلى كتائب الفدائيين، لكن أحدا من هؤلاء الزعماء لم ينضم، لم يسافر واحد منهم إلى الحرب في القنال، لم يصب أحد منهم بخدش، تخرجوا جميعا وصعدوا إلى مراكز الحكم، قد ألتقي بأحدهم صدفة في اجتماع أو مؤتمر، لا أحد منهم يذكر ما حدث قبل الثورة، لا يذكرون اسم واحد من الفدائيين.

قبل أن يسافر أحمد مع كتائب الفدائيين تقدم إلى أبي، كان أبي مع العمل الفدائي ضد الإنجليز بشرط ألا يكون أحد الفدائيين زوجا لابنته: «يعني إيه تسيب الكلية وتروح تحارب؟! الزواج مسئولية يا ابني.» يرمقني أبي بعينيه السوداوين، يرى خيبة أملي فيه، ألم يملأ طفولتي ببطولته في ثورة 19؟ يتراجع أبي، يستعيد ثقتي فيه: «طيب يا ابني، أنا موافق على الخطوبة، لكن عقد القران والزواج لن يكون إلا بعد أن تتخرج وتصبح طبيبا.»

التف الخاتم الذهبي حول إصبعي محفورا عليه اسم أحمد حلمي، أرادت أمي أن يلتف شيء آخر حول عنقي أو معصمي يسمونها الشبكة، رنت كلمة «الشبكة» في أذني مفزعة، أيمكن أن أكون مشبوكة للعريس؟ كلمة «عريس» سيئة السمعة منذ طفولتي تدربت منذ العاشرة من عمري على تطفيش العرسان، لم أحلم مرة واحدة بفستان الزفاف، لكن الحب شيء آخر، يحملني فوق جناح الريح، أطير في السماء، أحلق مثل نجمة الزهرة، إلى جواري نجم آخر يحلق معي، مصنوع من الضوء، بلا جسد إلا العينين، ولا شيء ماديا يلامسني إلا خاتم رفيع من الذهب محفور عليه اسمه.

صوت أمي يدوي في الصالة: «العريس لازم يقدم الشبكة ... الناس تقول علينا إيه يا نوال؟» - «الناس مين يا ماما؟» - «طنط هانم وطنط فهيمة وكل القرايب لازم حيقولوا فين الشبكة ... أقول لهم إيه يا نوال؟» - «قولي لهم ما فيش شبكة، قولي لهم نوال بنتي غير مؤمنة بالشبكة.»

يشحب وجه أمي كأنما أعلن عدم إيماني بربنا.

كانت قيمة العروس تتحدد بقيمة الشبكة، وقيمة العريس لا يحددها شيء إلا الشبكة، في عائلة أمي وأبي وكل العائلات، في الكلية أيضا شهقت الزميلات: خطوبة من غير شبكة وكمان لواحد من بتوع حرب العصابات ... إنت مجنونة يا نوال!

في غرفة الطالبات كنت أعطيهن دروسا في الحب، يشتعل البريق في عيني، أحلق بخيالي في السماء السابعة: «يا جماعة إنتو مش فاهمين الحب، لحظة الحب أهم من مليون شبكة، أهم من مال قارون.» تكركر بطة بضحكتها المرحة مثل كركرة الماء داخل قلة من الفخار عنقها ضيق: «أنا باموت في الحب بشرط إنه يكون أستاذ دكتور وعنده خمسة عين مش فدائي ما حيلتوش حاجة!» تعود صفية إلى قصة حبها القديمة مع الدكتور مرقس، كان طبيبا ناجحا عنده ثلاثة عيون فقط (عيادة وعربية وعزبة) إلا أنه قبطي وهي مسلمة، وهو مستعد للتخلي عن المسيح من أجل الحب، لكن أمه ترفض، وهو لا يمكن أن يتخلى عن أمه من أجل صفية.

Shafi da ba'a sani ba