Takarduna … Rayuwata
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
Nau'ikan
كالبحر الضخم من الأجسام يغطون أرض الشارع والرصيفين، لا يمكن لسيارة أن تمر، كلهم ذكور، لم أكن ألمح طالبة مثلي إلا نادرا، أشعر بالغربة وسط هذا البحر من الرجال، يمضون في طريقهم بخطوة جادة، قد يهمس أحدهم في أذني: «صباح الخير يا جميل.» أمام باب كلية الزراعة كان ثلاثة من الطلاب ينتظرونني كل صباح.
يهتف واحد منهم حين يراني مقبلة في الشارع: «سامية جمال أهه!» مجموعة أخرى من الطلاب أمام باب كلية الهندسة، يطلقون علي اسم «إستر ويليامز»، سألت بعض زميلاتي في الكلية من هي «إستر ويليامز»، عرفت أنها بطلة فيلم اسمه «السابحات الفاتنات»، دخلت السينما، ورأيتها فوق السينما، ورأيتها فوق الشاشة، كانت طويلة رشيقة فامتلأت بالزهو. سامية جمال كانت راقصة ممشوقة القامة، لم أرها إلا على الشاشة، تذكرت أحلامي الطفولية حين رأيت نفسي راقصة رشيقة تطير في الجو وتمشي فوق الأثير.
كانت هناك أيضا تعليقات ساخرة، يتهكم بعض الطلبة من خطوتي الواسعة الطويلة أو قامتي الطويلة، اقترب مني طالب قصير وتطلع إلى رأسي العالي وقال ساخرا: «يا ترى الهوا عندك فوق حلو؟»
حين أعود إلى البيت أحكي لأمي وأبي ... كانا يضحكان كثيرا على النكتة ... أحيانا تتطلع أمي إلى رأسي وتسألني: «يا ترى الهوا عندك فوق حلو؟» لم تكن أمي طويلة القامة، ترتدي الحذاء ذا الكعب العالي وتظل قامتها أقصر مني، تشب على أطراف أصابعها وتقول: لو كنت طويلة زي نوال!
في الكلية ألمح العيون ترمقني، في أعماقي أدرك أن هناك شيئا يجذب العيون إلي، نوع مجهول من الجاذبية، ليس هو الجمال الأنثوي المألوف ... شيء آخر لا أعرفه، لكني أحسه وأدركه في الأعماق.
أصبحت لي صديقات بين الزميلات الجديدات، ومن زميلاتي القديمات في حلوان دخلت صفية معي كلية الطب، سامية دخلت الصيدلة، فاطمة دخلت الآداب، أصبحنا نجتمع في بوفيه كلية الآداب، الوحيد في الجامعة نرى فيه الطالبات جالسات، ربما لأن عددهن في كلية الآداب كان أكثر من الكليات الأخرى.
لم تكن التقاليد حينئذ تشجع البنات على دخول الكليات العلمية، مثل: الطب والهندسة أو العلوم البحتة. كلمة «العلم» في اللغة العربية مذكرة، لها رنين رجولي في الآذان، كلمة «الآداب» مؤنثة، تتشابه حروفها مع كلمة أخرى، هي «الأدب»، وهناك مثل شائع يقول: «الأدب فضلوه عن العلم.» وكأن «الأدب» بالمعنى الأخلاقي مطلوب من الإناث فحسب، أما الذكور فهناك مثل شائع يقول: «لا يعيب الرجل إلا جيبه.»
إحدى الصديقات الجدد اسمها «كاميليا»، اشتهرت باسم «بطة»، كانت تسكن في أول شارع الهرم بالقرب مني.
جسمها قصير ممتلئ على شكل مربع، وجهها كبير مربع تتوسطه عينان مربعتان واسعتان، تكحلهما بالقلم السميك الأسود، أو مسحوق الكحل الأكثر سوادا، بشرتها سمراء تغطيها بطبقة من مسحوق البودرة الأبيض، شفتاها ممتلئتان مربعتان أيضا، تصبغهما بقلم «الروج» الأحمر، ترتدي «جيب»، «جونلة» ضيقة قصير، تزداد ضيقا عند ركبتيها السمينتين، فلا يمكنها السير إلا بخطوة ضيقة بطيئة، تتعثر فوق الكعب العالي الرفيع.
كانت بطة نموذج الجمال الأنثوي ، صوتها رقيق، تقلب الحروف العربية الخشنة مثل الضاد والطاء إلى حروف أكثر رقة، الدال «بدل الضاد»، والتاء «بدل الطاء»، والسين «بدل الصاد»، وحرف الراء ينقلب إلى «غين» كما يفعل الفرنسيون، تقول عن صفية «سفية»، وكلمة الضلمة تصبح «دلمة»، والطب يصبح «التب»، وبكرة تصبح «بكغة».
Shafi da ba'a sani ba