ارتعدت مسز بجلر، وقالت: «يا عزيزي جوزياه!»
يا ولدي المحبوب، هذا خطئي أنا. قلت لهذه السيدة إنك تتوق إلى رؤيتي. كنت أعيش دائما في هدوء، وفي سرية. يا ابني العزيز جوزياه، لم أقل أبدا إنني أمك، بل كنت أعجب بك من بعيد، وأجيء إلى هذه البلدة بين آونة وأخرى كي أحظى بنظرة سريعة إليك دون أن يراني، أو يعرفني أي إنسان.»
أخذ المستر باوندرباي يذرع أرض الحجرة جيئة وذهابا، وقد وضع يديه في جيوبه، والغيظ يكاد يقتله، فقال المستر جرادجرايند لتلك السيدة العجوز: «يدهشني يا مدام، أن تقولي إن المستر باوندرباي ابنك، لقد عاملته بقسوة وهو صغير، وهجرته.»
فصاحت مسز بجلر تقول: «هجرت ابني جوزياه؟ كلا، كلا، لم أهجره، وإنما أعطيته تعليما طيبا. مات أبوه المحبوب، وابني هذا في الثامنة من عمره، فاعتنيت به حتى صار رئيسا طيبا، وتاجرا طيبا.»
فلما سمع الناس الذين جاءوا من الشارع كلامها هذا، أصدروا أصوات العطف على العجوز مسز بجلر. لقد ظل المستر باوندرباي يخدع كل إنسان بالقصص التي رواها عن طفولته الصعبة، وبأنه أهمل في حداثة سنه وكون نفسه بنفسه.
بقي المستر باوندرباي يسير في أرض الحجرة ذهابا وإيابا، واشتدت حمرة وجهه أكثر فأكثر، ثم توقف، وقال: «لا أعرف بالضبط كيف جاءني السرور لهذه الصحبة الحاضرة، ولكن تدخل شخص ما في شئوني الخاصة، فأزعجني؛ إذ أمقت هذا التدخل. مساء الخير!» ثم فتح الباب على مصراعيه ليخرج الناس.
الباب الخامس
ضوء النجم
كان يوم الأحد التالي يوما مشرقا من أيام الخريف، جوه صحو وبارد، وكانت راشيل وسيسي قد اتفقتا على أن تخرجا في نزهة على الأقدام في الريف. فركبتا القطار أولا للخروج من تلك البلدة كثيرة الدخان.
نزلت هاتان الفتاتان من القطار، وأخذتا تسيران خلال الحارات والممرات، تتمتعان باستنشاق الهواء العليل. وكانت بالأرض هناك حفر للفحم، فتجنبتا السير وسط الحشائش الطويلة، التي قد تخفي حفر الفحم.
Shafi da ba'a sani ba