Awham Caql
أوهام العقل: قراءة في «الأورجانون الجديد» لفرانسيس بيكون
Nau'ikan
لذا «ينبغي ألا نزود الفهم البشري بأجنحة، بل بالأحرى بأثقال مدلاة حتى نعقله عن الوثوب والطيران»، وهذا ما لم يعمل حتى الآن، وعندما يعمل سيكون لنا في العلوم أمل أكبر. (105) في عملية تكوين المبادئ،
65
ينبغي أن نبتكر شكلا آخر من الاستقراء غير المستخدم حتى الآن، وينبغي أن نستعمله لإثبات واكتشاف لا «المبادئ الأولى»
first principles (كما يطلق عليها) فحسب، بل المبادئ الصغرى
66
أيضا والوسطى، وجميع المبادئ في الحقيقة؛ «ذلك أن الاستقراء الذي ينطلق من التعداد البسيط هو شيء طفولي، استنتاجاته قلقة وعرضة للخطر من أي شاهد مضاد، وهو - بصفة عامة - يحكم بناء على عدد صغير جدا من الوقائع، وعلى تلك الوقائع المتوافرة فحسب، أما الاستقراء الذي نريده من أجل اكتشاف العلوم والبرهنة عليها فينبغي أن يحلل الطبيعة بواسطة عمليات نبذ واستبعاد مناسبة، وعندئذ بعد عدد كاف من السوالب يصل إلى استنتاج عن الأمثلة الموجبة، وذاك شيء لم يعمل حتى الآن بل لم يحاول، باستثناء أفلاطون الذي استخدم حقا هذا الشكل من الاستقراء إلى حد ما بغرض تمحيص التعريفات والأفكار.» ولكن لكي نهيئ هذا الاستقراء أو البرهان لعمله تهيئة جيدة ومناسبة، ثمة أشياء كثيرة جدا يجب تقديمها، والتي لم يفكر فيها أحد من الخلق حتى الآن، حتى إننا سيلزمنا بذل جهد فيه أكبر مما بذل حتى الآن في القياس،
67
وهذا النوع من الاستقراء يتعين استخدامه ليس فقط لاكتشاف المبادئ، بل أيضا لتكوين المفاهيم، وإنما على هذا الاستقراء ينعقد أملنا الأكبر. (106) ولكن في عملية تكوين المبادئ بواسطة هذا النوع من الاستقراء يتعين علينا أيضا أن ندرس ونتفحص ما إذا كان المبدأ المتكون مفضلا على مقاس تلك الجزئيات فحسب التي استمد منها، أم هو أكبر من ذلك وأوسع مجالا . فإذا كان ذا مجال أكبر وأوسع فإن علينا أن ننظر هل يقدم هذا المبدأ تأييدا لهذا المجال الأعرض - كما بنوع من الضمانة الإضافية - بأن يدلنا على جزئيات جديدة، بحيث لا نكون متشبثين فقط بأشياء معروفة أصلا، ولا قابضين بطيش على ظلال وأشكال مجردة لا على أشياء صلبة مقومة في المادة. وعندما نسلك في عملنا هذا المسلك، هنالك سيكون لدينا ما يدعونا إلى الأمل الحقيقي. (107) وهنا أيضا نكرر ما قلناه آنفا
68
عن مد نطاق الفلسفة الطبيعية لتستوعب داخلها العلوم الجزئية، ورد العلوم الجزئية إلى الفلسفة الطبيعية، بحيث لا تنبت أفرع المعرفة عن الجذع، فبغير هذا لا نتوقع أي تقدم يذكر. (108) هكذا تكون الملاحظات التي نريدها، من أجل أن نمحو اليأس ونحيي الأمل بالتخلي عن أخطاء الماضي أو تصحيحها. والآن علينا أن ننظر إن كان ثمة أي دواع أخرى للأمل، وسرعان ما يخطر لنا هذا الخاطر: إذا كانت هناك اكتشافات كثيرة نافعة قد وقعت لبني الإنسان من طريق المصادفة أو الظروف، وبدون دراسة أو انتباه من جانبهم، فلا بد بالضرورة أن نسلم بأن اكتشافات أكثر بكثير قمينة بأن تظهر إلى النور من طريق البحث والانتباه إذا ما تما باطراد ونظام، وليس بتسرع وتقطع. فرغم أنه يحدث بين الحين والحين أن يقع شخص بالمصادفة على شيء ما سبق أن تمنع على جهوده الكبيرة وتحقيقاته المضنية، إلا أن الحال بغير شك هو العكس بصفة عامة؛ ولذا فإن لنا أن نأمل من العقل الإنساني والكد والمنهج والتطبيق أكثر مما نأمله من الصدقة والغريزة الحيوانية الصرف وما شابه ذلك، والتي كانت هي مصدر الاكتشاف حتى هذه اللحظة. (109) وسبب آخر من أسباب الأمل: أن بعض الاكتشافات التي تمت فيما مضى لم تكن لتخطر على بال أحد، بل كان أي شخص حقيقا بأن يرفضها ببساطة كشيء مستحيل؛ ذلك أن «الناس قد اعتادت أن تستشف ما هو جديد من خلال مثال مما هو قديم، وبخيال مسكون بالقديم ومصطبغ به، وتلك طريق مغالطة للغاية في تكوين التصورات؛ فالتيارات المستمدة من منابع الطبيعة لا تتخذ دائما المجرى القديم».
Shafi da ba'a sani ba