Awham Caql
أوهام العقل: قراءة في «الأورجانون الجديد» لفرانسيس بيكون
Nau'ikan
30
هكذا يتبين بسهولة أن هذا التصور قد انتزع على عجل من الماء والسوائل الشائعة والعادية فحسب بدون أي تمحيص واجب.
ثمة درجات من القصور والخطأ في الألفاظ، فأقل فئات الألفاظ خطأ أسماء المواد وبخاصة النوع الأقل تجريدا وأكثر تحديدا (تصور الطباشير والطين حسن، وتصور التراب سيئ)، تليها أسماء الأفعال مثل «يولد» «يفسد» «يغير». أما أكثر الفئات خطأ فأسماء الكيفيات (باستثناء الموضوعات المباشرة للإحساس)، مثل: «ثقيل» «خفيف» «مخلخل» «كثيف» ... إلخ، على أنه في جميع الفئات تكون بعض التصورات بالضرورة أفضل قليلا من البعض الآخر، وفقا لكثرة أو قلة الأشياء التي تقع في نطاق الحواس. (61) أما «أوهام المسرح»
idola theatri
فليست فطرية ولا هي تسترق إلى الذهن سرا، وإنما يتم إدخالها علنا وتقبلها عن طريق النظريات الخرافية والقواعد المغلوطة للبرهان. ولكن ليس بما يتفق مع ما أعلنته آنفا أن أحاول أو أضطلع بتفنيدها، فما دمنا لا نتفق حول المبادئ ولا حول البراهين فلا محل للجدل، وهذا من حسن الحظ بقدر ما يحفظ للقدماء كرامتهم، فأنا لا أنتقص من قدرهم؛ إذ لا يعنيني في مذهبي كله إلا الطريق الذي يتبع، وكما يقول المثل: «الأعرج على الطريق الصحيح يسبق العداء على الطريق الخطأ»، بل إن الذي يتخذ الطريق الخطأ يزداد ضلالا وبعدا عن المقصد كلما كان أمهر وأسرع.
إن منهجي في الكشف مصمم بحيث لا يعول على حدة الموهبة الفردية وقوتها، بل إنه يكاد يسوي بين الملكات والأفهام، فمثلما أن رسم خط مستقيم أو دائرة دقيقة يعتمد كثيرا على ثبات اليد ودربتها بينما لا حاجة لأي ثبات ودربة إذا ما استخدمت مسطرة أو فرجار؛ كذلك الأمر بالضبط في منهجي المقترح، ولكن رغم أني لا أعرض لتفنيدات بعينها، إلا أن شيئا ما ينبغي أن يقال، أولا عن مذاهب هذه النظريات وأنواعها، ثم عن وجود دلائل خارجية على ضعفها ، وأخيرا عن أسباب مثل هذا الفشل ومثل هذا التشبث الطويل بالخطأ والإجماع عليه، أتغيا من ذلك أن أجعل المسلك إلى الحقيقة أقل عثارا ، والفهم البشري أكثر نزوعا إلى التطهر ونبذ الأوهام. (62) هناك الكثير من «أوهام المسرح»، أو أوهام النظريات، ويمكن أن تكون هناك، وربما ستجد فيما بعد، أوهام أخرى كثيرة؛ إذ لولا أن عقول الناس قد انشغلت أحقابا طويلة بالمسائل الدينية واللاهوتية، والحكومات المدنية (وبخاصة الملكيات) قد أبغضت مثل هذه التجديدات حتى في الفكر (بحيث لا يمكن لأحد أن ينخرط فيها دون خطر وضرر، ولا يعدم الثواب فحسب بل يلحقه الازدراء والحسد)؛ لولا ذلك لكانت أدخلت - بلا شك - مذاهب فلسفية ونظرية أخرى كثيرة مثل تلك التي ازدهرت مرة بوفرة وتنوع كبير عند اليونان، فمثلما يمكن تشييد نظريات خيالية كثيرة من ظواهر السماء، فمن الممكن - بل والأيسر - تشييد اعتقادات متنوعة كثيرة من ظواهر الفلسفة. وفي مسرحيات هذا المسرح الفلسفي قد تلاحظ نفس الشيء الموجود في مسرح الشعراء: أن القصص المؤلفة للمسرح أكثر تماسكا ووجاهة وإمتاعا من القصص الحقيقية من التاريخ، وأقرب لرغبات الناس.
وبصفة عامة فإن الناس يأخذون كأساس لفلسفتهم إما أشياء كثيرة جدا من موضوعات قليلة، وإما أشياء قليلة جدا من موضوعات كثيرة، وفي كلتا الحالتين تتأسس الفلسفة على أساس ضيق جدا من التجربة والتاريخ الطبيعي، وتقرر الأحكام بناء على شواهد أقل مما يجب. فالفلاسفة العقليون يلتقطون من التجربة تنويعة من الأمثلة العامة لم يتم فهمها بدقة ولا فحصها ووزنها بعناية، ويعتمدون فيما تبقى على التأمل والنشاط الفكري.
وهناك أيضا فئة أخرى من الفلاسفة ما يكادون يعكفون بعناية وصدق على بضع تجارب حتى يسارعوا باستنباط فلسفاتهم منها ويشيدوها تشييدا، ويلوون كل الوقائع الأخرى بطرق عجيبة لكي تنسجم مع هذه الفلسفات.
وهناك بعد صنف ثالث من الفلاسفة يحملهم إيمانهم ووقارهم على أن يخالطوا فلسفتهم باللاهوت والتعاليم، من هؤلاء من بلغ بهم الغرور مبلغا جعلهم يحاولون اشتقاق العلوم من الأرواح والعفاريت. ثمة إذا ثلاثة مصادر للخطأ وثلاثة أنواع من الفلسفة الزائفة: السوفسطائية ،
31
Shafi da ba'a sani ba