Awghustinus: Gabatarwa Ta Gajere Sosai
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
تمثلت الفلسفة الأفلاطونية التي فتنت عقله في نهاية المطاف (عندما بلغ الحادية والثلاثين من عمره) في الأفلاطونية «الحديثة»، التي نطلق عليها حاليا الأفلاطونية الجديدة التي درسها قبله بقرن أفلوطين (205-270) لفئة محددة وحسب، وقدمها بهمة ونشاط إلى العامة تلميذه الدءوب ومحرر أعماله ومؤلف سيرته الذاتية فرفوريوس الصوري (حوالي 232-305). ورغم أن أفلوطين ألقى تعاليمه في روما، بينما عاش فرفوريوس جزءا من حياته في صقلية، فإن الاثنين ألفا باليونانية حصريا. ورغم تجريد الأفكار وتعقيدها، كان لأفلوطين وفرفوريوس أثر هائل في الغرب اللاتيني والشرق الإغريقي على حد سواء. أعلن أوغسطينوس في أوج حماسه الأول للأفلاطونية أنه وجد في أفلوطين «أفلاطون يبعث إلى الحياة مجددا» (ردا على الأكاديميين
Contra Academicos )، وهي العبارة التي تعكس بدقة الأعمال التي كلف أفلوطين بها نفسه؛ حيث اعتبر أفلاطون أكثر من مجرد رجل ذي ملكات فكرية مستقلة، بل كان بالنسبة إليه مرجعا.
وباستيعابها المذاهب الأساسية للأخلاق الرواقية، وقسما كبيرا من المنطق الأرسطي أيضا على يد فرفوريوس، أمست الأفلاطونية الجديدة مهيمنة بالكامل على كل المواقف الفلسفية الأخرى في أواخر العصور القديمة. ترجم أعمال أفلوطين وفرفوريوس إلى اللاتينية ماريوس فيكتورينوس الأفريقي الذي درس البلاغة والفلسفة في روما، وأدهش خلال الفترة التي لمع فيها نجمه - تقريبا قرب الفترة التي ولد فيها أوغسطينوس - الطبقة الأرستقراطية الوثنية إلى حد كبير عن طريق تعميده. وترجم فيكتورينوس أيضا بعض الأعمال التي تتناول المنطق لأرسطو وفرفوريوس، ولا سيما «مقدمة» منطق أرسطو التي ألفها فرفوريوس بجلاء ودقة بالغين، حتى إن الكتاب أمسى دليلا قياسيا لألفية كاملة.
شيشرون
نبع أقوى أثر مبدئي على الإطلاق استرشد به أوغسطينوس في شبابه فيما يختص بالمسائل الفلسفية من حوارات شيشرون. ومن بين الأعمال الكثيرة التي أحاط بها أوغسطينوس علما لشيشرون، ثمة محاورة واحدة تسمى «هورتنسيوس»، تبرر ضرورة التفكير الفلسفي لإصدار أي حكم نقدي حتى بالنسبة إلى أي إنسان منشغل بالحياة العامة والسياسية، كان لها أثر تشجيعي غير مسبوق على أوغسطينوس. وفي أعماله الأخيرة، لم يزل أوغسطينوس يقتبس عبارات من هذا الكتاب الذي طالعه أول مرة بينما كان طالبا في التاسعة عشرة من عمره في قرطاج. وقد أسدى شيشرون نصيحة للعالم الروماني تفيد بدراسة الفلسفة التي وضعها أرسطو نفسه دون من هم أدنى منه. وكان نموذج شيشرون يتمثل في الكفاية الذاتية الشخصية ووعي بأن السعادة، التي يسعى إليها الجميع، لا وجود لها في حياة موغلة في المتعة الذاتية التي تدمر احترام الذات والصداقات الحقة تماما. وإذ تدبر مفارقة أن جميع الناس يسعون وراء السعادة بينما الغالبية العظمى منهم بائسون كل البؤس، خلص شيشرون إلى استنتاج محمل بالمعاني مفاده أن بؤس الإنسان ربما كان ضربا من الحكم الإلهي، وحياتنا الآن قد تكون كذلك تكفيرا عن آثام ارتكبناها في شكل سابق من أشكال التجسد. وتضمنت أيضا محاورة «هورتنسيوس» تحذيرا من أن السعي وراء المتع الحسية، ممثلة في المأكل والمشرب والجنس، مشتت للعقل في بحثه عن الأشياء الأكثر سموا.
لم يكن أوغسطينوس قط مسرفا لا في المأكل ولا في المشرب، لكن رغبته الجنسية كانت جامحة؛ ففي السابعة عشرة والثامنة عشرة من عمره بينما كان في قرطاج، ضاجع صديقة له من طبقة اجتماعية متدنية، وهي العلاقة المنتظمة التي وضعت نهاية لمغامرات فترة المراهقة. وعلى مدار نحو ثلاثين عاما، عاش أوغسطينوس معها مخلصا لها بالكامل. وسرعان ما أسفرت علاقتهما عن صبي لم يكونا يرغبان فيه في البداية، لكن أحباه بعد ذلك، أطلقا عليه اسم «أديوداتوس» أو «هبة الله»، وهو الاسم الموازي لثيودور أو جوناثان. صار الصبي بارعا جدا، لكنه توفي في السابعة عشرة من عمره.
كان الأثر الفوري لقراءة محاورة «هورتنسيوس» على أوغسطينوس أن فكر جديا في قضايا أخلاقية ودينية. كان أبوه وثنيا، ولم يعمد إلا وهو على فراش الموت وحسب. كما كان نزقا، وليس مخلصا على الدوام لزوجته. ولا يشي أوغسطينوس بأي علامة على شعوره بالتعلق بأبيه. أما أمه من ناحية أخرى، فقد كانت تقية ومتبحرة في العقيدة المسيحية وممارسة طقوسها، كانت حريصة على الصلاة يوميا في كنيستها المحلية، وكانت تسترشد عادة بالأحلام والرؤى التي تراودها. وجعلت أمه منه متنصرا في طفولته. وكمراهق شكاك، درج بين الحين والآخر على حضور قداس الكنيسة مع أمه، لكنه وجد نفسه منشغلا أساسا بلفت انتباه الفتيات الجالسات على الجانب الآخر من الكاتدرائية. وفي قرطاج عندما بلغ التاسعة عشرة من العمر، اكتشف أوغسطينوس أن جدية الأسئلة التي طرحها شيشرون، ولا سيما فيما يختص بالبحث عن السعادة، حثته على مطالعة إنجيل لاتيني. ونفره غموض محتواه والأسلوب البربري للنسخة البدائية التي أنتجها مبشرون أنصاف متعلمين في القرن الثاني الميلادي. لم يكن الإنجيل اللاتيني القديم (الذي كانت عملية إعادة ترميمه على يد علماء حداثيين عملية حرجة جدا) ليبهر رجلا عقله معبأ بأسلوب شيشرون الأنيق المنمق وأسلوب فيرجل التعبيري المميز، ويستمتع بالمسرحيات الراقية بالمسارح. نأى أوغسطينوس بنفسه بازدراء عما بدت أسطورة ساذجة عن آدم وحواء، والأخلاق المريبة للبطاركة الإسرائيليين. إن التنافر ما بين سلاسل نسب المسيح في إنجيل متى وإنجيل لوقا كان بمنزلة الضربة القاضية الأخيرة التي دمرت آمال عودته إلى الكنيسة مع أمه (العظات
Sermones ).
لذا، التمس أوغسطينوس العون في مكان آخر؛ فقد افتتن بعلم الفلك الذي بدا أنه يمده بدليل للحياة دون أن يظهر بشكل مبالغ فيه كالعقيدة، ومن بعد علم الفلك انجذب إلى الثيوصوفية التي كان يدرسها ماني من قرن مضى (سنة 216-277 ميلاديا).
ماني
Shafi da ba'a sani ba