Farkon Kaka
أوائل الخريف: قصة سيدة راقية
Nau'ikan
هناك، تحت الإضاءة الخافتة، رأت أن المرأة العجوز كانت تبكي وترتجف من الخوف. قالت: «لقد حدث شيء ما لجاك. شيء مروع.»
كانت قد عرفت ما هو قبل أن تتفوه المربية بكلمة. بدا لها أنها كانت تعرف طوال الوقت، وفي تلك اللحظة لم تشعر بصدمة وإنما بخدر مميت لأي مشاعر.
قالت بنبرة هادئة مخيفة نوعا ما: «اتصلي بدكتور جينكينز»، واستدارت لتصعد درج السلم الطويل. •••
وفي عتمة غرفتها، لم تنتظر حينئذ حتى تسمع صوت الأنفاس. لقد أتت أخيرا ... اللحظة التي ستدخل فيها الغرفة، وتنصت إلى الصوت، ولا تجد سوى سكون الليل. وعلى الجانب الآخر، في الغرفة التي كان يشغلها جاك منذ كان طفلا صغيرا، كان ضوء الليل الخافت المعتاد في الزاوية، وعلى وهجه الباهت استطاعت أن تحدد مكان السرير الضيق وجسده ممدا فوقه كما بقي دائما مستلقيا، نائما. لا بد أنه نائم، هكذا قالت في نفسها؛ لأنه من المستحيل أن يكون قد مات بهدوء شديد، بلا أدنى حركة. ولكنها أدركت، بالطبع، أنه كان ميتا، ورأت كم كان قريبا من الموت دوما، وأن الأمر كان مسألة انتقال تدريجي، بكل بساطة وهدوء.
لقد هرب أخيرا منهما - منها هي وجده - في لحظة لم يكن خاضعا فيها لمراقبتهما؛ وفي الطابق السفلي بغرفة الجلوس كان جون بينتلاند جالسا، واضعا كتابا في حجره إلى جوار مصباح السيد لونجفيلو، ومحدقا في الفراغ، ولم يعرف شيئا بعد. وجلس آنسون يخط بقلمه تاريخ عائلة بينتلاند ومستعمرات خليج ماساتشوستس، بينما في الغرفة التي كانت واقفة فيها حينئذ كانت نهاية نسل عائلة بينتلاند قد كتبت.
لم تنتحب. عرفت أن البكاء سيأتي في وقت لاحق، بعد أن يجري الطبيب زيارته السخيفة غير المجدية ليخبرها بما كانت تعرفه بالفعل. والآن بعدما حدث الأمر الذي كانت قد قاومته طويلا، كانت واعية بحالة سكينة شديدة. بدا لها حتى أن الصبي، ابنها، صار الآن أكثر سعادة؛ لأنه كان يراودها شعور بالخوف، يخالطه شعور بالندم، من أنهم كانوا يبقونه على قيد الحياة كل تلك السنوات رغما عنه. بدا هادئا وساكنا في تلك اللحظة، على عكس ما بدا عليه في تلك الليالي الطويلة المفزعة التي كانت تجلس فيها على نفس هذا الكرسي وإلى جوار نفس السرير، والتي كان فيها يستند إلى الوسائد؛ لأنه لم يكن يستطيع أن يتنفس وهو مستلق، ويقاتل من أجل النفس ومن أجل الحياة، وكان يفعل ذلك بدافع إرضائها هي وجده أكثر من كونها رغبة منه في الحياة. رأت أنه يمكن أن يوجد جمال رائع في الموت. لم يبد الأمر كما لو أنه مات بمفرده. وإنما خلد ببساطة إلى النوم.
لقد غمرها أيضا شعور غريب ومرض بالواقع ، بالحقيقة، كما لو أن الأجواء من حولها أصبحت بطريقة ما صافية ومنعشة. فالموت ليس أمرا يستطيع المرء إنكاره بالتظاهر. الموت حق. فهو يمثل نهاية شيء ما، على نحو واضح وقاطع إلى الأبد. لا وجود للخداع بشأن الموت.
تمنت الآن لو أنها كانت قد طلبت من المربية ألا تتحدث مع الآخرين. أرادت أن تبقى هناك بمفردها في الغرفة الخافتة الإضاءة حتى تستحيل السماء الممتدة إلى ما وراء الأهوار رمادية. •••
لم يتركوها وحدها في سلام مع ابنها. جاءت أولا طرقة على الباب لتدخل بعدها المربية العجوز، وهي لا تزال ترتجف وفي حالة هيستيرية، تتبعها الآنسة إيجان المتيبسة الكفء، التي تحركت هنا وهناك بهمة وسرعة بأسلوب مهني حازم، ثم أتت الأصوات الصاخبة المزعجة لسيارة دكتور جينكينز من طراز فورد أثناء قدومه من القرية، والصوت المزعج الصادر من بعيد لبوق سيارة غريبة ووهج لامع لضوء منبعث من سيارة كبيرة تستدير عند منعطف الممر في بداية الطريق وتنهب الأرض مبتعدة نحو منزل «بروك كوتيدج». بدا أن الحياة دبت فجاءة في الردهة بأناس، يتهامسون ويتمتمون فيما بينهم، وتعالى صوت بكاء هيستيري من إحدى الخادمات المرتعدات. كان الموت، الذي من المفترض أن يحدث في حالة من العزلة الجميلة الهادئة، تسلب منه جميع مظاهر وقاره. سيتصرفون على هذا النحو لأيام. أدركت أنها الآن فقط، في خضم كل ذلك الضجيج المثير للشفقة، كانت قد فقدت ابنها. رغم ذلك، كان لا يزال، بطريقة أو أخرى، ابنها، بينما كانت واقفة بمفردها في الغرفة.
وفجأة، في خضم الاضطراب، تذكرت أن ثمة آخرين يشاركونها المصاب الأليم نفسه. من هؤلاء سيبيل، التي كانت قد دخلت الغرفة ووقفت بجوارها، في حالة من الرهبة والتعاطف، تضغط على يد والدتها في صمت؛ وآنسون، الذي كان واقفا بلا حول له ولا قوة في زاوية الغرفة، منزعجا ويائسا وخائفا أكثر من أي وقت مضى في مواجهة الموت. ولكن أهمهم جميعا كان جون بينتلاند. لم يكن في الغرفة. ولم ير له أثر.
Shafi da ba'a sani ba