63

Farkon Kaka

أوائل الخريف: قصة سيدة راقية

Nau'ikan

التفتت سابين نحوها، بحركة سريعة ومفاجئة. وقالت: «ولهذا السبب تهتم دائما بحياة الآخرين. لم تحظ بحياة خاصة بها أبدا. دائما ما كانت خائفة. هذا هو السبب وراء حبها لمصائب الآخرين، لأنها لم تكن لديها أبدا مصائبها الخاصة. حتى موت زوجها لم يكن مصيبة. فقد صارت بعده حرة، متحررة تماما من المتاعب مثلما أرادت دوما.»

ثم حدث شيء غريب لأوليفيا. بدا وكأن عمة كاسي جديدة قد ولدت، كما لو أن القديمة، التي تفيض عيناها بالدمع وتظهر تعاطفها سريعا لمن حولها والتي تظهر بصورة عجيبة متى وقعت مصيبة في الحي، العمة كاسي المعروفة بأعمالها الصالحة ودموعها ونصائحها الدينية، قد مضت عبر هذا الطريق لآخر مرة، ولن تعود مرة أخرى أبدا. صباح الغد ستصل عمة كاسي جديدة، واحدة تشبه القديمة ظاهريا؛ أوليفيا وحدها ستراها بشكل مختلف، ستراها امرأة جردت من كل تلك الحجب من التظاهر والعواطف التي غلفت بها نفسها، عجوز قبحها باد للعيان، وفهمت أوليفيا في لمحة تجل خاطفة أنها مثل حشرة تضرب لوح زجاج في محاولة عقيمة للدخول إلى مكان يستحيل عليها دخوله. ولم تعد الآن تخشى العمة كاسي. لم تكن حتى تكرهها؛ كانت فقط تشفق على المرأة العجوز لأنه كان قد فاتها الكثير؛ لأنها ستموت دون أن تعيش يوما. ولا بد أنها كانت ذات يوم شابة وجميلة، وخفيفة الظل جدا. ما زالت هناك لحظات تتجرد فيها تماما السيدة العجوز من سحرها ومزاحها ولسانها السليط.

عادت سابين تتحدث، بلهجة قاسية، لا هوادة فيها. فقالت: «كانت مستلقية هناك طوال تلك السنوات على الأريكة مغطاة بشال، تحاول لترتيب حياة جميع من حولها. قضت على استقلالية آنسون ودمرت سعادتي. وأرهبت زوجها حتى مات في النهاية هربا منها. كان رجلا دمث الخلق، ترعبه الفضائح وإثارة الجلبة.» أشعلت سابين سيجارة وألقت بالثقاب بحركة همجية مفاجئة. وتابعت: «والآن صارت تحوم في الأرجاء مثل ملاك الرحمة، ملاك رحمة نشيط جدا، مثل أفاك في زي ملاك. لقد برعت في أداء دورها. الجميع يعتقدون أنها امرأة ضعيفة، وصالحة، وتعيسة. لا بد وأن بعض القديسين كانوا يشبهونها جدا. لا بد وأن بعضهم كان يزعج العانسات العجائز.»

نهضت، ولفت وشاحا شفافا حول عنقها، وفتحت مظلتها الصفراء، قائلة: «أعرف أنني على حق. فيما يخص كونها عذراء. على الأقل.» وأضافت: «بالمعنى التقني للكلمة، هي عذراء. ولكني لا أعرف شيئا بخصوص حالتها العقلية.»

ثم غيرت مسار الحديث فجأة قائلة: «هل ستذهبين معي إلى بوسطن غدا؟ سأفعل شيئا بشأن شعري. بدأ الشيب يظهر فيه.»

لم ترد أوليفيا عليها في الحال، ولكن حين تحدثت، قالت: «أجل؛ سأعاود ممارسة ركوب الخيل وأريد شراء بعض الملابس. فثيابي القديمة ستبدو الآن مثيرة للسخرية. لقد مرت سنوات عديدة على آخر مرة امتطيت فيها حصانا.»

نظرت سابين إليها بحدة، وأشاحت بوجهها مرة أخرى، وقالت: «سآتي لاصطحابك حوالي العاشرة.»

الفصل السادس

حل على مدينة دورهام جو حار رطب ومحمل برائحة كثيفة للحشائش النضرة ورائحة شبه نتنة للأهوار المالحة، فاختزل الحياة بأكملها في حالة استرخاء مميز للمناطق الاستوائية. حتى في أوقات الصباح عندما كانت سيبيل تخرج مع أوهارا ليركبا الخيل عبر المروج، لم تكن أي نسمات باردة تهب ولم تكن أي قطرات ندى تتساقط على العشب. ولم يقاوم أحد الطقس الحار الرطب سوى العمة كاسي، بجسدها النحيل الضامر، وآنسون، مدفوعا دوما بالشعور بالواجب الذي لا يلتفت لأشياء تافهة مثل حالة الطقس. واصلت العمة كاسي، التي لم تكن تبالي بالحر ولا بالبرد، ولا بالعاصفة ولا الهواء العليل، جولاتها التي لا تعرف الكلل أو الملل. أما سابين، التي علقت بأنها كانت تعرف دوما أن نيو إنجلاند هي أحر مكان في هذا الجانب من الجحيم، فقد تعودت على حالة من الكسل التام، فلا تبرح المنزل إلا بعد مغيب الشمس. وحتى حينئذ، كان النشاط الوحيد لها هو الخروج إلى منزل عائلة بينتلاند لتجلس في حجرة الكتابة للعب البريدج بفتور مع أوليفيا وجون بينتلاند والسيدة سومز العجوز.

يوما بعد يوم بدت السيدة العجوز أكثر ارتباكا ونسيانا وإثارة للإزعاج أثناء اللعب باعتبارها اللاعبة الرابعة في لعبة البريدج. ومع ذلك، كان جون بينتلاند يصر دوما على اللعب معها كفريق ثنائي، قائلا إن أحدهما يفهم طريقة لعب الآخر؛ بيد أنه لم يخدع أحدا بذلك، عدا السيدة سومز، التي لم تكن تتمتع بذكاء كبير حتى في أفضل حالاتها؛ إذ عرف الآخرون أنه كان يفعل ذلك لحمايتها. إذ كانوا يرونه يجلس بهدوء وصبر بينما تطرح هي رهانات تعجز عن تحقيقها، وتفسد أوراقه الرابحة وتتحجج بضعف النظر. كانت تتمتع بجمال رائع فيما مضى وكانت لا تزال امرأة مختالة بنفسها، بكل مساحيق الزينة التي تضعها. وما كانت لترتدي نظارة طبية أبدا ولذلك كانت تلعب من خلال النظر عبر نظارة يدوية، وهو ما كان يبطئ إيقاع اللعبة بالكامل ويزيد الارتباك. وأحيانا، في خضم الأخطاء الفادحة التي كانت ترتكبها السيدة المسنة، كانت عينا سابين الخضراوان تعكسان نظرة غضب شديد، لكن أوليفيا كانت تتمكن بطريقة ما من كبت أي نوبة غضب؛ بل إنها كانت تستطيع أن تجبر سابين على مواصلة اللعب، ليلة تلو أخرى. تأثرت أوليفيا كثيرا بمعاملة العجوز للسيدة سومز بصبر ورقة، وخيل إليها أن سابين أيضا - سابين القاسية والساخرة والجزوعة - تأثرت بذلك. كان في شخصية سابين جانب رقيق لافت للنظر وغير متوقع، كما لو أنها بطريقة ما فهمت الرابطة التي جمعت بين العجوزين. الآن أصبحت سابين، التي لم تكن تسمح بأن يشعرها أحد بالملل، على استعداد لأن تجلس ليلة تلو الأخرى وتتحمل هذا الملل الشديد بصبر وأناة.

Shafi da ba'a sani ba