58

Farkon Kaka

أوائل الخريف: قصة سيدة راقية

Nau'ikan

لم تعرف مطلقا إن كانت قد غفت فوق الأريكة بجوار النافذة أم لا، لكنها أدركت أنها استيقظت فجأة على صوت خطوات. خارج باب غرفتها، في الردهة الطويلة، كان شخص ما يمشي، بخفة، وحذر. وهذه المرة لم يكن الصوت مجرد صرير منبعث من المنزل العتيق؛ كان صوت خطوات، منتظمة، ذات إيقاع ثابت، متكرر، خطوات شخص لا وزن له تقريبا. أنصتت، وببطء، وبحذر، وكأن هذا الشخص كان أعمى ويتحسس طريقه في الظلام، تقدمت الخطوات حتى وصلت بعد قليل أمام بابها وأحاط خيط رفيع من الضوء بالباب الذي يؤدي إلى الردهة. نهضت بهدوء، وهي لا تزال مستغرقة في شعور غامض بأنها تتحرك داخل كابوس، وتوجهت إلى الباب وفتحته. ولمحت من بعيد في الردهة الطويلة، عند الباب الذي يفتح على السلم المؤدي إلى علية المنزل، دائرة صغيرة من الضوء منبعثة من مصباح كهربي. صنع الضوء ظلا غامقا لامرأة عجوز ذات شعر أبيض تعرفت عليها أوليفيا في الحال. تبين أن العجوز قد هربت من الجناح الشمالي. وبينما وقفت تراقبها، فتح الجسد المترنح الباب واختفى بسرعة في اتجاه الدرج.

لم يكن هناك وقت لتضيعه، ولا وقت حتى للذهاب بحثا عن الآنسة إيجان المتيبسة. فلربما ألقت المسكينة بنفسها من النوافذ العليا. لذلك، ودون أن ترتدي روبا، اجتازت أوليفيا بسرعة الردهة المظلمة وصعدت الدرج حيث اختفت المخلوقة الغريبة الأطوار المتدثرة بالروب المزخرف بالأزهار.

كانت العلية غرفة ضخمة غير مكتملة البناء تغطي المنزل بالكامل، أشبه بكهف شاسع، فارغة من كل شيء باستثناء بعض الصناديق القديمة وقطع الأثاث المحطم. كان قد اختزن بها حطام وبقايا حياة عائلة بينتلاند، مفقودا ومنسيا في أعماق الغرفة الكبيرة لأكثر من قرن من الزمان. لم يكن يدخلها أحد. فكادت أن تنسى، منذ كبر جاك وسيبيل. إذ كانا يلعبان فيها في الأيام الممطرة عندما كانا طفلين صغيرين، ومن قبلهما سابين وآنسون اللذان لعبا في الأركان المظلمة والغامضة ذاتها بين الصناديق والأرائك والكراسي المحطمة.

وجدت أوليفيا المكان غارقا في ظلام دامس باستثناء بقع من ضوء الليل الأزرق المتسلل عبر زوج من النوافذ الناتئة، وفي أقصى الغرفة، بجوار مجموعة من الصناديق القديمة، ظهرت دائرة الضوء المنبعثة من المصباح والتي ظلت تتحرك في هذا الاتجاه وذاك، كما لو كانت السيدة بينتلاند العجوز تبحث عن شيء ما. وفي عجلة هروبها وفرارها، كان شعرها الأبيض الرقيق قد انفك وانسدل فوق كتفيها. وانبعثت منها رائحة الدواء البغيضة.

لمستها أوليفيا بلطف وقالت: «ماذا فقدت يا سيدة بينتلاند؟ أيمكنني مساعدتك؟»

استدارت العجوز، ووجهت ضوء المصباح بالكامل إلى وجه أوليفيا، وحدقت فيها بعينيها الزرقاوين المستديرتين، وهي تتمتم: «أوه، هذا أنت يا أوليفيا. لا بأس إذن. ربما يمكنك مساعدتي.»

فسألتها أوليفيا: «ماذا فقدت؟ لعل بإمكاننا البحث عنه في الصباح.»

فأجابتها: «لقد نسيت الآن ما كان. أفزعتني، وأنت تعرفين أن عقلي ضعيف، حتى في أحسن الأحوال. لم يكن جيدا أبدا منذ زواجي.» ونظرت بحدة إلى أوليفيا. وسألتها: «لم يصبك ما أصابني، أليس كذلك؟ هل حدث وشعرت بأنك تنجرفين في الأوهام وأنك تزدادين خفوتا يوما بعد يوم؟ هذا غريب. لعل الأمر مختلف مع زوجك.»

رأت أوليفيا أن المرأة العجوز كانت تمر بلحظة نادرة من لحظات التعقل والصفاء الذهني والتي كانت أسوأ بكثير من جنونها لأنها كانت تجعلك لبعض الوقت ترى أنها، في نهاية المطاف، مثلك، إنسانة وقادرة على التفكير. كانت أوليفيا في هذه اللحظات تشعر وكأنها شهدت بعث الموتى.

قالت أوليفيا: «لا. لعلك تتذكرين في الصباح، إذا أويت إلى فراشك الآن.»

Shafi da ba'a sani ba